ويحكى عن أبي يعزى: إنه استدعى عبد المؤمن بن علي السلطان الموحدي بعد انفصال المجلس الذي وقع له معه، فانقاد إليه, وسار في أكابر دولته، ورغب منه الدعاء بخضوعٍ، واستكانة، وتسليمٍ، واذعانٍ وعرف منـزلته.
زعموا أنه طلب أن يخرج من صلبه مَنْ يذكر به على الأحقاب, فأكرمه الله بيعقوب المنصور.
وذكر أبو العباس بن الخطيب: إن السلطان سجن سيدي علي بن حرازم بمدينة مراكش, فقال لتلامذته في الطريق: لا ألبث في السجن, فقالوا له: سبحان الله، اسكت وهل سجنت إلا على مثل هذه الأحوال؟ فقال لهم: أن الشيخ أبا يعزى ها هو هذاك ينظر إليّ، ولا يتركني، وأنه كلما يطلب من الله يوفيه له وبينهما أيام عديدة, قال: فأطلق من ساعته.
وقال أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي: حدثنى الثقات عن عبد الله بن عثمان قال: لما حُمل أبو الحسن علي بن حرازم إلى السجن بفاس، تواصى سُمَّار السجن أن يكفوا عما كانوا عليه من كلام الخنا, والهجو وغير ذلك من الهذيان، وأن يشتغلوا بالذكر يقطعون بذلك ليلهم، فلما سمعهم الشيخ قال: قولوا لهم يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكلام، فإن الذكر محفوظٌ ومحروسٌ ومحرم إلا من أهل الذكر خاصة، وأن الذكر إذا اشتغل به غير أهله أتاهم الشيطان, وحال بينهم وبين الذكر، فما مرت على السمار ساعة من الليل إلا وهم نيام, قال: وكنا قد أحدقنا به وهو يقول: قد انطلقت من السجن ونحن نقول لا نتكلم بهذا يتحدث به عنك، فلهذا وشبهه سجنت وهو لا يعبأ بنا ولا يكلمنا، فلما طلع الفجر جاءه البشير من السجان بالتسريح, فقال أبو الحسن: والله لا خرجت حتى تخبرني، فقال له: إن القائد عبد الله الحياني جاءني البارحة إلى داري وما جاءني قط, قال لي: اذهب الساعة إلى السجن, وأطلق الفقيه أبو الحسن، وإيَّاك أن يبيت فيه, فتصيبنا من أجله مصيبة، واكسر كل باب مغلق يصدك عن الوصول إليه, وأنت تكره كسر أبواب المسلمين في حقك؛ ولذلك أمهلت إلى طلوع الفجر بعد انفتاح الأبواب.
فقال له أبو الحسن: أحسنت, قال أبو محمد عبد الله بن عثمان: فقلنا لأبي الحسن من أين علمت البارحة؟ أنك منطلقٌ, قال: رأيت الشيخ أبا يعزى أتاني مع الحرس الذين حملوني إلى السجن، فعلمت أنه لا يتركني، وأنه يسألني من الله عز وجل، ولو سأل الله تعالى في الدنيا كلها لأجابه فيها، فكيف بخروجي من السجن؟ وكفي بها شهادة من هذا الإمام الذى اتفقت العلماء على جلالة قدره.
وذكر صاحب النجم والإمام العزفي والتادلي: عن أبي الصبر أيوب الفهري قال: كنت يومًا جالسًا مع أبي يعزى، ونحن نتحدث إذا قام عني فسمعته وهو يضرب دابة بعصى حتى بَعُدَ عني، ثم سمعت لغطًا كثيرًا، فبقي ساعةً ورجع وهو يقول: وأنا أقول من أين دخل الحرام في كسبي؟ ثم جعل يحدثني, قال: دخل الأسد في ماشيتي، فلم أزل أضربه حتى فر,َّ فسألت أهل المكان فقال: كان بنوا فلان قد أغاروا على طائفة من ماشيتنا، فذهبنا إليهم، فأخذنا من مواشيهم مثل ما أخذوا لنا، فجبرنا منها ما نقص من ماشيتك، فأمرتهم أن يخرجوا من ماشيتي ما أدخلوا فيها من تلك المواشي.
وقال صاحب النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المفاخر والمناقب وغيرها؛ كأبي العباس العزفي, وابن الزيات فيما رووا عن محمد بن عبد الكريم: أنه قال: صلينا الجمعة مع الشيخ أبي يعزى في عام جدبٍ، فلما خرج من المسجد تلقَّاه الناس، وشكوا إليه احتباس المطر عنهم، فنـزع شاشية من العزف كانت على رأسه ورمى بها، وبقي رأسه؛ كأنه ثغامة أبيض، ثم تجرَّد من برنسه ورمى به، وأرسل دموعه, وبقي يتضرَّع باللسان الزناتي: (أمزغُن.. أمزغُن)؛ معناه: ياضيفي وياسيدي ويامولاي، هؤلاء ساداتي طلبوا مني أن أستسقى لهم وما قدري، قال: وما زال يبكي ويتضرَّع حتى غيمت السماء, وأُمطرت في الحين, قال محمد بن عبد الكريم: فنـزعت نعلي، ومشيت حافيًا حتى وصلت من كثرة الأمطار, قلت: ورأيت في بعض كتب مَنْ تعرَّض لكرائمه أن هذه الحكاية وقعت له بفاس بجامع الأندلس منها والله أعلم.