ويحكى عن أبي علي مالك بن تامجروت وكان من الصدِّيقين الكبار قال: كنت أقدم لزيارة الشيخ سيدي أبي يعزى كل سنة إلى جبل أيركان، وأحمل له حملَ زبيب من نفيس الوادي المعروف: بوادي النفيس، فمشيت إليه في بعض الأعوام بحملِ زبيب على العادة، فدفعته إلى مؤذنه، ففرغه في بيتٍ، وقعدت أتحدَّث معه فقال لي: عسى أن تكلم الشيخ أبا يعزى أن يستر الناس ولا يفضحهم، فإن الرجل جاهلٌ ولا علم عنده.
فيقول للواصلين إليه: سرقت يا هذا، وزنيت يا هذا كذا؛ يذكر لكلِّ واحدٍ فعله، ثم انقطع كلامه فنظرته وقد منع الكلام فكلمته فلم يجبني.
فبينما أنا معه كذلك وإذا بالشيخ أبي يعزى أقبل وعصاه في يده، فسلَّم عليَّ، وسألني عن الحال والأهل، وجاء إلى مؤذنه ومدَّ يده إلى حلقه فمسح له عليه، وقال له: يا بني صدقت، فإني جاهلٌ ولا علم عندي إلا ما علمني ربي، أو قال: مولاي، فصارت علقة دم من حلقه في الحين، فتكلَّم المؤذن حينئذٍ، وقال: أتوبُ إلى الله يا سيدي، قال له: ومما تتوب وأنت ما قلت إلا الحق، فأنا جاهلٌ لا أعرف إلا ما عرفّني مولاي.
ويُحكى عن تلميذه أبي جعفر محمد بن يوسف، كان يسكن بتاغزوت من تادل: إنه يسمع في بعض الأحيان يقول: ونعم، بصوتٍ عالٍ؛ كأن أحدًا ناداه، فسُئِلَ، فيقول: ناداني سيدي أبي يعزى من جبل أيركان.
قال أبو جعفر: أتيت مرةً أبو يعزى، فقال لي: ما لي أناديك؟ ناديتك ثلاثَ مراتٍ فلم تجبني إلا في الثالثة.
وكان أبو جعفر فيما حكى عنه فحمل له سللَ العنب على ظهره من تاغزوت إلى جبل أيركان.
وذكر ابن الزيات: عن الشيخ سيدي أبي محمد عبد الحق بن عبد الصمد الهسكوري قال: ذهبت مع تلميذه لزيارة الشيخ سيدي أبي يعزى، فلما كانا بأثناء الطريق أدرك صاحب سيدي عبد الحق العطش، وكاد أن يأتي عليه، قال: فشكوت ما بي إلى سيدي عبد الحق قال: فسكت عني ساعةً, وناولني ركوةً فيها ماءٌ باردٌ عذبٌ.
قال: فشربت منها حتى رويت وناولته الركوة، ثم نظرت إليه بعد ذلك فلم أرَ معه ركوة ولا دريت مَنْ أخذها منه وقضينا زيارتنا وانصرفنا.
ويحكى عن الشيخ أبي يعزى: إنه كان من يأتيه؛ يطعمه من عنده ويعلف دوابه، وإن الفتوحات ترد عليه من إخوانه في الله تعالى، وإن أهل القرى المجاورين إليه كانوا يضيفون الواصلين لزيارة الشيخ أبي يعزى ويتبرَّكون منهم.
ويحكى عنه: إنه لما مات رؤي في المنام وهو يطير في الهواء. فقيل له: بماذا نلت هذه الرتبة؟ قال: بإطعام الطعام وما أحسن قول صاحب السينية فيه:
وأَمَّا أَبُو يعزى فَشَيْخُ شعيبهم وَبِالْغَرْبِ حَلا لِلإفَادَةِ وَالْحَرَسِ
ويحكى عنه رضي الله عنه : إن بعضَ العمال جارَ على قومٍ، فاشتكوا عليه، وكان هذا العامل متجرئًا لا يخافُ من النار، ولا يخشى من العارِ؛ لقوة ظلمه، فأقرَّ أن يكتب إليه من عبدٍ أبيضِ القلبِ أسود الْجِلْد: تُبْ من فعلك هذا، وإلا يكونُ فساد أمرُك على يدي.
ويحكى عنه رضي لله عنه : قال: مررت في بعض سياحتي بالسواحل، وإذا بجاريةٍ وهى تستغيث من وجعٍ في عينها، فمسحتها وذهبت، فسمعتها تقول: مَنْ مَسَحَ على عيني وقد استراحتا؟ وأنا أمرُّ في مسيري حتى انقطع عنى سماع كلامها.
ويحكى عن محمد بن عبد الكريم الورَّاق أنه قال: كنت عند أبي يعزى في جماعةٍ، فدخل علينا يومًا، وقال لنا: قوموا لتعاينوا عجبًا، أو قال: اخرجوا لتنظروا عجبًا.
قال: فقمنا معه، فرأينا الحمر راقدةً، والسباع قريبةً منها، فلم تنظر الحمر من السباع، ولا وثبت السباع على الحمر، وكانت تلك الحمر للواصلين لزيارته.
وكان مع جلالةِ قدْرِه؛ كثيرَ التواضع يثني على الصّدِّيقين بما لهم من علي المقام، ويحض على زيارة الأكابر الكرام.
ويحكى عنه: إن رجلاً أراد السفر من المغرب إلى بغداد، فقال له: لا يفوتك رؤية رجلٍ شريفٍ أعجميٍّ اسمه عبد القادر الجيلاني، وسَلّم عليه، واسأله لي في الدعاء، وقُل له: لا تنسى أبا يعزى، فإن والله ما خلف في العجم بأسرها مثله، وإن المشرق ليفضل على المغرب به، وإن عِلمه ونسبه ميّزاه على الأولياء تمييزًا واضحًا، وكذا عادته رضي الله عنه يثني على أصحاب المراتب نظرائه.