الباب الثاني والثلاثون في صلصلة الجرس
صلصلة الجرس: انكشاف الصفة القادرية عن ساق بطريق التجلي بها على ضرب من العظمة، وهي عبارة عن بروز الهيبة القاهرية، وذلك أن العبد الإلهي أخذ يتحقق بالحقيقة القادرية برزت له في مباديها بصلصلة الجرس. فيجد أمراً يقهره بطريق القوّة العظموتية فيسمع لذلك أطيطاً من تصادم الحقائق بعضها على بعض كأنها صلصلة الجرس في الخارج.
وهذا مشهد منع القلوب من الجرأة على الدخول في الحضرة العظموتية بقوّة قهره للواصل إليها، فهي الحجاب الأعظم التي حالت بين المرتبة الإلهية وبين قلوب عباده، ولا سبيل إلى انكشاف المرتبة الإلهية إلا بعد سماع صلصلة الجرس.
ولقد وجدت ليلة أسري بي إلى السموات العلا عند وصولي إلى هذا المقام الأسنى والمنظر الأزهى من الهيبة في هذا المحل ما انحلت له قواي و اضمحلت تراكيبي و انسحقت أجزائي وانمحقت ترائبي، فكنت لا أسمع إلا صلصلة تدكدكت الجبال لهيبته وتخضع الثقلان لعزته، ولا أبصر إلا سحاباً من الأنوار منهلة بوابل من نار، وأنا مع ذلك في ظلمات من بحار الذات بعضها فوق بعض، فلا وجود لسماء تحتها ولا أرض، فسيرت الجبال الراكدة، ورأيت "الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا".ولا يزالون كذلك أزلاً وأبداً.
فقلت: ما للسماء؟ فقيل: "انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ" فقلت: وما للأرض؟ فقيل: " مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ"، فقلت: وما للشمس؟ فقيل: "كُوِّرَتۡ* وَٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ * وَٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ*وَٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ* وَٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ * وَٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ *وَٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ * وَٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُىِٕلَتۡ * بِأَیِّ ذَنۢب قُتِلَتۡ * وَٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ * وَٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ* وَٱلۡجَحِیمُ سُعِّرَتۡ * وَٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ"، فقلت: مالي ؟ فقال الجلالي: "عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ" وهذه قيامة صغرى يصفها الحق لي مثالاً للقيامة الكبرى لأكون على بينة من ربي فأهدى إليه من هو من حزبي، فعند ذلك سأل سائل التدقيق عن ترجمان التحقيق، فاستفهمته على عدم الجهل عن الصفات والذات وعن المقام الإلهي الذي هو بعد ذلك باستيفاء ما هناك، وعن الإنسان ومن أي وجه يكون كتابه القرآن، وكيف الأمر الختام الذي هو عند ذي الجلال والإكرام، فضحك بعدما ابتسم ورمز عند تلك العبارات بإشارات في القسم، فقال: "فلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ".
فقلبت بین عینیه و استوفیت ما أشار إليه، شعر:
فكان للوصلِ حال لا أبوحُ به فظنَّ ما شئتَ إنَّ الأمرَ متسع
صبّ ومحبوبه في أوج خلوته ملك ومالكه والجند مجتمع
جلّت عروس التداني فوق مرتبة من الجلال كما لا طل منهمع
فالأفق دائرة والسحب ماطرة والرعد زاجرة والبرق ملتمع
والبحر في زخر والريح في هدر والنار في شرر والماء يندفع
وسائر الفلك الدوار قام على ساق ذليلاً لعزّ العزّ ينخضع