الصبر على المزكِّي.
لاشك أن هذه الصفة من آكد الصفات التي ينبغي للمزكي أن يتصف بها، وذلك لتحقيق الهدف المنشود من التزكية وهو تطهير المُزكى من الأخلاق الذميمة، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين، فقد خاطبه تعالى : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}1{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا}2{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}3.
وقد تبيّن من سيرته العطرة صلى اتلله عليه وسلم صبره العظيم على أذى قومه، وهو يرجو لهم الخير ويريد إنقاذهم من الشرك والكفر، فقد سألت عائشة رضي الله عنها انبي صلى الله عليه وسلم فقالت : (يَا رَسولَ اللهِ، هلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أَشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ فَقالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ وَكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ علَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلَّا بقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بسَحَابَةٍ قدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَما رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، قالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بأَمْرِكَ، فَما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا)4.
وعن عبد الله بن مسعود قال : قَسَمَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ،فأَخْبَرْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ، حَتَّى رَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثم قال : يَرْحَمُ الله موسَى، فقَدْ أٌوذِيَ بِأَكْثَر فَصَبِر).5
الهوامش
1 -الأحقاف/35
2 - المعارج/5
3 - النحل/127
4 - صحيح البخاري، كتاب : بدء الخلق، باب : إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه.
5 - المرجع نفسه، كتاب : الأنبياء، باب : حديث الخضر مع موسى عليهما السلام.