تنبيه : إذا كان الطالب يذكر مع الجماعة وأراد أن يدخل مجلس الذكر فينبغي له أن يقضي مصالحه الشاغلة له عن الحضور في الذكر، ويلبس أحسن ثيابه، والأبيض أفضل، ويأخد الطيب والسواك قبل حضوره ويكون على طهارة كاملة ويصحب شيئاً من العطريات في فمه إذا لم يكن صائمًا، إذا دخل محلّ الذكر وكان مسجداً صلى ركعتي التحيّة، فإذا لم يكن الذكر قائماً قبَّل يد أستاذه وسلّم على إخوانه، ثم يجلس متأدِّباً مُطرقاً صامتاً أو مشغولاً بالذِّكرِ سرًّا، وهو أكمل، وإن رأى الذكر قائماً قال في سرِّه : "دستور يا أهل الطريق، دستور يا أهل القدم"، ودخل ثم أخد في الذكر، وإذا أرادوا انفتاح الذكر أولا استأذنوا بقلوبهم أصحاب الطريق والقدم، بعد الإذن من الله ورسوله، ويأخد في الذكر بسكينة وبوقار وخشوع، بصوتٍ متوسِّط على الهُوينا من غير تمطيط، وعليهم مراعاة الوفاق في الأصوات علوًّا وخفضًا، وتحسين قراءة الورد إن كان بالوقف والسجعات، لأن في ذلك نشاطاً للنفس ولذّة للروح وراحة للسر وقهر للشيطان وفراراً، ولا يكثر أحدهم الالتفات ولا يعبث بلحيته ولا يلعب بيده ولا بشيء من ثيابه، لأنه مجلس الله عز وجل، فإن لعب وعبث طُرد من ذلك المقام النادي، ولا ينظر بعضهم بعضاً، لأنه مانع من الحضور، بل يغمض عينيه، ولا بأس بالهزِّ يميناً وشمالاً، إن كان الذكر بالأم، بلا إله إلا الله، وإن كان بالجلالة رفع رأسه إلى فوق، وضرب بصدره، كما يأتي، وينبغي أن يكون معشوقه مثل محرمة يمسح فيها ما يعرض له من بصاق ونحوه، ولا يخرج من المجلس لذلك إلا أن يحصر ببول أو غائط أو ريح، وإذا أراد المقدّم عليهم أن يفتح لهم الذكر أو يسكنهم أو يرفع الذكر أو يخفضه قال : "دستور يا الله"، بقلبه، وعليه أن يحذر من التمطيط، والعجلة الشديدة لأنها تُخرج الذكر عن حدِّه الشرعي.
والاقتصار في المجلس أولى من التطويل، إذ المجلس إذا طال كان للشيطان فيه نصيب ما لم يحصل خشوع ولذّة، فلا يقطع ذلك عليهم فإذا فهم ما بهم من الملك استأذن بقلبه وختم بهم المجلس، فيقول : ّاللهم إن ذكرك لا يمل منه، وإنما عبيدك هؤلاء منهم الضعيف وذو الحاجةّ.
وأريد أن أختم بهم فأذن، وإذا قرأ القارئ أو قال الحادي شيئاً من كلام القوم أطرق رأسه كل منهم، وسكنوا أعضاءهم، وألقوا كليتهم لسماع ذلك، وأعرض حاله على ما يسمعه متأولاً ذلك بما يليق به، فإن رأى ذلك موافقاً لحاله حمد الله بقلبه، وإلا أخد في الاستغفار وطلب التوبة بالقلب، ولا يُنهنه ولا يتعصّب، ولا يهتز ولا يتأوّه، ولا يقول شيء لله، ولا عد القول ولا نحو ذلك فإنه سوء أدب مع الله ورسوله، خصوصاً بحضرة الشيخ، وإذا قال الشيخ شيء من ذلك فإنه لمصلحة أرادها فلا يُقتدى به في ذلك ولا يقول مثل قوله، ولا ينبغي للشيخ أن يقر أحداً على الصراخ بل يزجرهم عن ذلك كله، إلا إن تحقّق أنه غلبة قويّة وحالة صادقة، ويحرصون أن يكون الذكر على وتيرة واحدة وطريقة مستقيمة، وليس لأحدهم أن يغير الطريقة من حدر إلى ترتيل وعكسه، بل حتى يرسم الشيخ أو المقدّم عليهم وكذا في الابتداء والختم.