اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المُغَيبات من القرآن انطلاقا من قوله تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ). [الجن/26-27]
قال العارف بالله سيدي ابن عجيبة في تفسير البحر المديد في هذه الآية : قوله تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ) : هو من الحقائق والبراهين القطعية. فالله بكل شيء عليم. وقوله تعالى :{ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } * { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }. قال : فمن وقف على شطرها الأول قال : لا يطلع أحد على الغيب، دون أن يلتفت إلى ما اسثناهم الله تعالى من الرسل، وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم، فرسل الله تعالى ارتضاهم لعلم بعض الغيب، وللأولياء الكبار نصيب منه كرامة. وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منحه الله من الغيبيات الحظ الأكبر.
وقال أيضا : الله تعالى يعلم ما غاب عن الحس من أسرار ذاته، وأنوار ملكوته، أي : يعلم أسرار المعاني، القائمة بالأواني. فلا يظهر على غيبه أحدا، أي : لا يكشف عن أسرار ذاته في الدنيا إلّا لِمن ارتضى من رسول أو نائبه، وهو العارف الحقيقي؛ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا. أي يحفظه من القواطع من كل جهاته، حتى يوصله إلى حضرة أسرار ذاته.
ثم قال : وأما قوله تعالى : (قُلْ لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ). فقال عنها : لا يعلم الغيب إلا الله، أو من كان وجوده بالله، قد غاب في نور الله، فشهد الغيب بالله.