فمن بعض كلامه قال رضي الله عنه :
إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَدّعي مَعَ اللهِ حَالاً وَلَيْسَ عَلى ظاهرِه شَيْءٌٌ شاهدٌ فَاحْذَرْهُ.
وقال رضي الله عنه : حُسْن الْخلقِ مُعَامَلةُ كُلّ شخصٍ بِمَا يُؤانِسَه ولا يُوحشه، فَمَع الْعُلَمَاءِ بِحُسْن الاستماعِ والافتقارِ، ومَعَ أَهْلِ الْمَعْرفةِ بِالسُّكُونِ والانتظارِ، ومَعَ أَهْلِ الْمَقَاماتِ بِالتوحيد والانكسار.
وقال رضي الله عنه : الْحَقُّ تَعَالَى مَطَّلِعٌ عَلَى السَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ فِي كُلِّ نَفْسٍ وَحَالٍ؛ فَأَيُّ قَلْبٍ رآه مؤثرًا لَه حَفِظَه مِنْ طُوَامِ الْمِحَن وَمُعضلات الْفِتَنِ.
وسُئل عن التسليم فقال: هُوَ إِرْسَالُ النَّفْسِ فِي مَيْدَانِ الأحْكَامِ، وَتَرْك الشَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنَ الطَّوَارِقِ وَالآلامِ.
وقال: مَنْ رُزِقَ حَلاوَة الْمُنَاجَاة زَالَ عَنْه النَّومُ.
وقال: مَنْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الدُّنْيَا ابتلي بِالذُّلّ فِيهَا.
وقال: جَعَلَ اللهُ قُلوبَ أهلِ الدُّنْيَا مَحَلاً لِلْغَفْلَةِ وَالْوِسْوَاسِ، وَقُلُوبِ الْعَارِفِين مَحَلاً لِلذِّكْرِ والاستئناسِ.
وقال: مَنْ عَرَفَ نَفْسه لَم يَغْتَرْ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْه.
وقال: مَنْ خَدَمَ الصَّالِحِين ارْتَفَعَ بِخِدْمَتِهِم، وَمَنْ حَرَمَهُ اللهُ مِنْ إِحْتِرَامِهم ابْتَلاهُ اللهُ بِالْمُقْتِ مِنْ خلقِه.
وقال: أَبْنَاءُ الدُّنْيَا تَخْدِمُهُم الإيماءُ وَالْعَبِيدُ، وَأَبْنَاءُ الآخرةِ تَخْدِمُهم الأحْرارُ والكرماءُ.
وقال: انْكِسَارُ الْعَاصِي خَيْرٌ مِنْ صَوْلةِ الْمُطِيع.
وقال: عَلامةُ الإخْلاصِ: أَنْ يَغِيبَ عَنْكَ الْخَلْقُ فِي مُشَاهدةِ الْحَقِّ.
وقال: الْعَارفُ لا يَزَالُ يترقَّى، وَمِنْ نَفَائِسِ اللّطَائِف يَتَلقَّى، وَلَيْس لَه الْتفاتٌ إِلى كِيت وكِيت، وَلا يقنعُ من الْبَيت إِلاّ بِرَبّ البيتِ.
وسئل رضي الله عنه عن الحب فقال: أَوّلُه دَوَامُ الذّكْرِ، وَأَوْسَطُهُ الأنسُ بِالْمَذْكُورِ، وَأَعْلاَهُ وَنِهَايَتُه أَلاّ تَرَى شَيْئًا غَيْرُ اللهِ تعالى.
وسُئل رضي الله عنه عن الشيخ المحقق قال : الشّيخُ هُو الذي شَهِدَتْ لَه ذَاتُك بِالتّقدِيمِ، وسرّك بِالاحترامِ والتّعظيمِ.
الشّيخُ مَنْ هَذّبُك بِأخلاقِه، وَأَدّبك بِإطراقِه، وَأَنَارَ بَاطِنَك بِإشْرَاقِه.
وقال: التّوحِيدُ سِرٌّ قَويُّ الإشراقِ, يَرْفَعُ الْهمّة بِحُسْنِ الأخْلاقِ، وَهُوَ حَيَاةُ الْحَيَاةِ، وَمَا سِوَاهُ مَمَات.
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي الفضل بن سعد التلمسانى: ومن شعر الشيخ الإمام القطب العلامة الهمام أبي مدين رضي الله عنه ما أنشده لبعضِ المشايخ:
عِشْنَا رُحمنا حَلَّتْ البَركَاتُ
زَادَ السُّرُورُ وَتَمّتْ الرّاحَاتُ
فَالوَقْتُ صَافٍ والزّمَانُ مُسَاعِدُ
وَالْعَيْشُ خصْبٌ وَالْمِيَاهُ فُرَاتُ
وَالْقَلْبُ سُر وَالبَشَائِرُ جَمّة
وَالصّدْر رَحِبٌ وَالْحَيَاةُ حَيَاتُ
والسّعدُ مُقْبِلٌ قَدْ بَدَتْ أَعْلامُه
وَلِكُلّ سَعْد مُقْبِل آيَاتٌ
بِحَمْدِنَا ارتفعت عَلى رَغْمِ العِدَا
شَرْقًا وَغَرْبًا هَذِه الأمْوَاتُ
قال الشيخ ابن أبي الفضل للشيخ أبي مدين رضي الله عنه : أنشده ابن جرير:
يَا مَنْ عَلا وَيَرَى مَا فِي الْقُلُوبِ وَمَا
تَحْتَ الثّرى وَظَلامُ الليلِ مُنْسَدِلُ
أَنْت الْمُغيثُ لِمَنْ ضَاقَتْ مَذَاهبه
أَنْتَ الدّلِيلُ لِمَنْ ضَاقَتْ بِه الْحِيَلُ
إِنّا قَصَدْنَاكَ والآمَالُ وَاثقةٌ
وَالْكُلّ يَدْعُوكَ مَلْهُوفٌ وَمُبْتَهلُ
فَإِنْ غَفَرت فَذُو فَضْلٍ وَذُو كَرَمٍ
وَإِنْ سَطَوْت فَأَنْتَ الْحَاكِمُ الْعَادِلُ
ومن شعره رضي الله عنه ورضي عنا به:
مُغيثٌ أَيوب وَالكَافي لَذي النّونِ
يُتِيحُ لي فَرَجًا بِالكَافِ وَالنّونِ
كَمْ فَاقَة فَاقَتْ الآفَاق فرَّجَها
عَني وَلَم يَنْكَشِف وَجْهي لِمن دَونِ
وقد خمّسها بعضُ العلماء فأحسن وأجاد.
وله رضي الله عنه أدعيةٌ عجيبةٌ في الاستخارة وغيرها؛ فمن أدعيته في الاستـخارة مارواه ابن أبي الفضل في نجمه:
اللهم إن العلم عندك وهو محجوبٌ عني، ولا أعلم أمرًا أختاره لنفسي، فقد فوّضت إليك أمري، ورجوتك لفاقتي.
فأرشدنى اللهم إلى أحب الأمور إليك، وأرضاها عندك، وأحمدها عاقبة؛ فإنك تفعل ما تشاء، إنك على كل شيء قدير.
قلت: ينبغي لمن أراد أن يستخير الله بدعاء هذا الإمام فليقدم الأدب.
وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلمفي الاستخارة, من صلّى ركعتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلمبعد الاستغفار، ثم ليدعُ بدعائه عليه السلام، ثم يثني بدعاء هذا الشيخ، فإنه لا محالة محمود العاقبة، ومرجو الإجابة؛ إذ جمع بين السُّنة وأنفاس هذا الإمام، فإنه لا يُحرم من بركاته، فإن الله بفضلِه يدله لأحسن الطريق.