آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أساس المريدين

أساس المريدين

 بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.


باب أساس المريدين


اعلم أن أساس طريقة المريد أربعة :


أوّلها : الجوع : وفائدته أنه ينقص دم القلب، فإذا نقص منه ابيض، وإذا ابيض استنار ورقّ وفي رقّته حياته، وفي حياته صلاحه، وفي صلاحه صلاح الجسد كله، وفي صلاح الجسد كلُّه نجاة العبد والفوز برضوان الله عز وجل، وفي الجوع أيضاً فائدة أخرى وهو أنه يذيب شحم الفؤاد ويضيق مسلك العدو لنقصان الدم الذي هو مجرى الشيطان من ابن آدم كما ورد :"إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ" فضيِّقوا مجاريه بالجوع والعطش.


وأنه أيضاً يضعف سلطان العدو وفيه ذل النفس، وفي ذلِّها سقوط صفاتها، وفي سقوط صفاتها صفاء الوقت، وفي صفاء الوقت صفاء المعاملة، وفي صفاء المعاملة رضى الله عز وجل.


وفي الجوع أيضا فائدة أخرى وهي أنه يقل الرغبة في عاجل الدنيا، ويكسر شهوة البطن والفرج، ويسقط فضول الكلام والنظر والحركة، ويقوي الفكر والعزم في طلب الآخرة، ويقوي اليقين بالوعد والوعيد. 


والجوع أصل كبير في طريق الله تعالى، وهو باب الآخرة ومفتاح الزهد، كما ورد عن عيسى عليه السلام أنه قال : "يا معشر الحواريين جوعوا بطونكم وعطشوا أكبادكم واعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله سبحانه وتعالى" يعني حقيقة الزهد والبطن الجائع مورد الملائكة، والبطن الشبعان مورد الشياطين، والشيطان يفر من الجائع النائم فكيف إذا كان مستيقظاً ويعتنق الشبعان المستيقظ فكيف إذا كان نائماً، وأوّل بدعة أُحدثَت بعد النبي صلى الله عليه وسلم الشَّبعُ.


والجوع طعام الصديقين، فمن شاركهم في طعامهم فقد تشبّه بهم، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم، ومن دام على طعامهم حتى يجد لذته فقد لحق بهم، والمؤمن الجائع يحبُّهُ الله ويُبغض الشبعان، والشبعُ من الحلال مفتاح كُل شرٍّ، فكيف إذا كان من الحرام والشبهة. نسأل الله تعالى التوفيق لمرضاته.


الركن الثاني : السَّهَرُ : وفائدته أنّه يُنوِّر القلب ويجلوه وفي جلائه صفاء اليقين، وفي صفاء اليقين معاينة الغيب، وفي مُعاينة الغيب التجافي عن دار الغرورإلى دار السرور، وعن دار الفناء إلى دار البقاء، وقد قيل : "من سهر أربعين ليلة كوشِفَ بملكوت السماء".


الركنُ الثالث : الصَّمْتُ : وفائدته أنّه يلقح العقل، ويُعلِّم الورع، ويجلب التقوى، ويجعل الله تعالى به وبالتأويل الصحيح والعلم الرجيح مخرجاً، ويُوفق بأثر الصمت للقول السّديد والعمل الرّشيد، وفائدته أيضاً أنه يجلُبُ السلامة والحكمة ويقلُّ السيِّئات، وقد ورد : "أكْثَرُ خَطايا ابنِ آدَمَ في لِسانِه"، وورد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".


الركن الرابع : الخلوة : وفائدتها أنها تُفرغ القلب من الخلق وتجمع الهم بأمر الخالق، وتُقوي العزم على الثبات، وتقلّ الأفكار في عاجل حظوظ النفس لفقد مشاهدتها بالأبصار، وتجلب أفكار الآخرة وتجدد الاهتمام بها، وتجلب الأنس بالله تعالى، وتجلب الوحشة من الخلق. 


والخلوة من أكبر العوافي، ولا صارت الأبدال أبدالاً إلّا بهذه الأربعة : إخماص البطون، والصمت، واعتزال الخلق، وسهر الليل. فكل مريد ضَيَّع هذه الأربعة أو ضيَّع شيئاً منها لا يجيئ منه رجل؛ لأن من ضيّعها فبالضرورة أن يقع في أضدادها، وأضدادها هي أبواب الدنيا ومفاتح الغفلة وطرقات الهوى، فالجوع ضد الشبع ونتيجته أنه يورث الرغبة في الدنيا ويقسي القلب ويظلمه، ويقوي صفات النفس ويقوي شهوة البطن والفرج والسمع والكلام والحركة، ويضعف الإيمان ويخمد نوره، ويجلب النوم والكسل.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية