إذا هبّت رياح الملاطفة من الجناب المقدس استنشقتها قلوب العارفين بخياشم العزم والقبول، فحينئذ تحن إلى الحبيب حين تستنشق ذلك النسيم، وتقبل إلى الجناب المقدّس تتبختر في حُلل الرضى فينادي بهم من حيث لا حيث مرحباً بأحبابي الذين يحبون لقائي ويبتغون رضائي، اليوم أنزلهم بساط قربي وأجعلهم من خاصة حزبي، أسقيهم من عين التسنيم وأحلهم دار النعيم.
ألا حبذا ذاك النسيم الذي به تعيش قلوب العارفين وتنعم
فإذا استقر بهم المكان الذي لا يشبه الأوطان، وتمثلوا من شراب العيان، قال نديم الحضرة: هلمُّوا إلى مواطن الفناء لتستريحوا من مصادمة الربوبية، فالعجز عن درك الإدراك إدراك، والبقاء مع المحبوب بحواس الحس إشراك.
يا هذا أَجْرُ صاحب الهمّة العلويّة الحضرة، وأجر صاحب الهمّة الدنيويّة الطّرد.
قال غريب الجنان المأخوذ عن الزمان والمكان، إنه لمّا ناداه منادي التوفيق فجدّ به إلى مقام التحقيق، سلِّم زمام التسليم بهداية العزيز العليم فحينئذ عفى عن الدارين أثره وأنسى من فيهما خبره، فهذا لسان العبارة عن ترقّيه، ومعلوم أن حقيقة المعلوم من وراء ذلك.
واعلم وفّقك الله أنه ما توجّه أحد من الفقراء إلى جهة إلّا والله متولِّيه، فأين الجهة والمكان إذا وجد من لا مكان له ولا حيث، فماذا بعد الحق إلا الضلال، فسحقاً والله سُحقاً لمن اعتقد أن الفقراء يقبلون على غير من إليه يرجع الأمر كله.
واعلم أن الروح تتغدّى بسماع تسبيح الملائكة، والقلب أيضاً يتغدّى بالنظر إلى سُبحات جمال وجه الملك، والنفس تسعى في جميع حظوظها التي قسّمها لها في الأزل مكلَفة غير مكلفة لقوله صلى الله عليه وسلّم : (لَا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا) وأنا أعوذ بالله الذي يجيب المضطر إذا دعاه من لسان ينطق بالحكمة من غير إذن مولاها، سبحانه عز وجلّ عن وصفٍ وعن جهةٍ وعن مكانِ يُرَى فيه ويَحْوِيه.