رسالة في التصوف

مخطوطة : رسالة التصوف

المؤلف : أبو المحامد أحمد بن محمد بن عبد الملك الأشعري

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد أجمعين.

باب المعرفة

قال أبو المحامد أحمد بن محمد بن عبد الملك الأشعري غفر الله ذنوبه وستر عيوبه بمنِّه وكرمه : اعلم أن المعرفة على ثلاثة أوجه : معرفة القلب، ومعرفة الروح، ومعرفة السّر. فمعرفة القلب قطع العلائق، ومعرفة الروح صدق الحقائق، ومعرفة السّر الانقطاع إلى ربّ الخلائق. فعلامة معرفة القلب التقلب بين الرغبة والرهبة، قوله تعالى : {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}[الأنبياء:90]، فعلامة معرفة الروح إدامة البكاء، فمذكور في قوله تعالى : {تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}[المائدة:83]، وعلامة معرفة السّر إقامة الإخلاص، فأصله قوله تعالى : {وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ}[البيِّنة:5].

باب المحبَّة

قال : والمحبّة على ثلاث أوجه، محبة القلب، ومحبّة الرُّوح، ومحبّة السّر. فمحبّة القلب إيثار ما يحبّ لمَن يحبّ في كلِّ حال، ومحبّة الرُّوح اختيار رضى المحبوب بكلِّ حال، ومحبّة السّر موافقة المحبوب بكلِّ حالٍ. فعلامة محبّة القلب الإعراض عن أشتغال الدنيا، فأصله قوله تعالى : {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النجم:29]، وعلامة محبّة الرُّوح استغلال شاهد الدنيا في جذب غائب العُقبى، فأصله قوله عز اسمه : {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ}[النساء:77]، وعلامة السر استغلال الكونين جميعاً في جذب قربة المولى، قوله تعالى : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:18].

باب المكاشفة

قال : والمكاشفة على ثلاث أوجه، مكاشفة القلب، ومكاشفة الرّوح، ومكاشفة السّر، فمكاشفة القلب أن ينظر إلى الدنيا بعين العبرة، ومكاشفة الرّوح أن ينظر إلى العُقبى بعين الفكرة، ومكاشفة السّر أن ينظر إلى المولى بعين الوصلة. فعلامة مكاشفة القلب الحياء من الله في جميع الحالات لأنه الله، ومرّ قوم لم يستحيوا منه واستحيوا عباده فقال : {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ}[النساء:108]، وعلامة مكاشفة الرّوح تركُ الأسى على ما فات، قوله تعالى : {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ }[الحديد:23]، وعلامة مكاشفة السر ترك الفرح بالموجود، ومذكور في قوله تعالى : {وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد:23].

التالي