يقول ابن عباد الرندي : الواردات الإلهية لا ينبغي للسالك أن يعبِّر عنها اختياراً منه، بل يُخفيها ويصونها ولا يُطلِع أحداً عليها، إلّا شيخاً مُرشداً؛ لأنّ نفسه تجد في ذلك لذة وانشراحاً، فتقوى بها صفاتها، فيقلّ بسبب ذلك عمل الواردات في قلبه من التّأثير المحمود. ولأجل غلبة أحكام نفسه وإيثار حظِّه يمنعه ذلك من وجود صدقه مع ربِّه.
يقول ابن عجيبة :المريد في حال سيره مأمور بالكتمان لعلمه وعمله وحاله وإرداته ، فإفشاؤه لعمله من قلة إخلاصه ، وإفشاؤه لأحواله من قلة صدقه مع ربه ، وأيضا الأحوال تأتي من حضرة قهار فتتزعج القلوب خوفا ، وتقلقها شوقا ، فإذا أفشى ذلك كان تبريدا لها وإطفاء لنورها ، كمن غلت قدرته فصب فيها الماء البارد فيطول عليه غليانها ثانيا ، ولو قلل نارها وحركها لاستفاد إدامتها ، كذلك الواردات الإلهية تفجأ القلوب لتحركها إلى النهوض إلى مولاها ، فإذا أفشاها وذكرها للناس قل علمها في قلبه ، ودل على عدم صدقه فيها مع ربه .
قلت : ومن ذلك استعمال الأحوال التي تميت النفوس لا ينبغي إفشاؤها ، فللنفس حظ في ذلك ، لأنها مجبولة على حب المدح والذكر الحسن ، ولو من الإخوان ، وكثيرا ما ترى بعض الفقراء يذكرونها ويتبجحون بها وهو غير صواب ، نعم إن كان يقتدى به فيذكرها للاقتداء ، ولإنهاض الفقراء ، فذلك حسن مع نية حسنة ، وكثيرا ما تستعمل هذه الأحوال في حال السؤال ، فلذلك ذكره بأثره .