آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التربية النبويّة -13


السلطان على الباطن والأحوال


والمقصود بهذه التسمية أن شخصية المزكي يكون لها الأثر الكبير على سلوك من يصحبهم ويربيهم، وهذا ما جسدته سيرة الصحابة وعلاقتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأحوالهم الشريفة، ومقاماتهم السنيّة في العلم والعمل تدل على ذلك، إذ استطاع صلى الله عليه وسلم أن يحسن أخلاقهم، ويرفق طباعهم بعدما كانوا على أمر الجاهلية وما توصف به من سوء الخلق.

فعن حكيم بن حزام قال : سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى. قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكانَ أَبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنه يَدْعُو حَكِيمًا إلى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ منه، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ، فأبَى أَنْ يَقْبَلَ منه شيئًا، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ علَى حَكِيمٍ؛ أَنِّي أَعْرِضُ عليه حَقَّهُ مِن هذا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تُوُفِّيَ.1

فانظر إلى أثر توجيهه صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي الجليل، والنصح الجميل الذي أسداه إياه دون أن يمنعه بل أعطاه وزكّاه وعلّمه، تزكية مع العطاء لا مع المنع، وهذا قمة الفيض والخير المحمدي، لذلك تغيّرت حال هذا الصحابي بشكل كلي وكامل، فلم يعد يسأل العطاء، بل لم يعد يقبل العطاء وإن كان من حقه، فمن ذا الذي يمكن أن يُحَول الإنسان من طامع إلى زاهد سوى من كانت عنده سطوة من الله على النفس، وسلطان على القلوب.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : أخَذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنكِبِي فقال : ( كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ ) قال : فكان ابنُ عُمَرَ يقولُ : إذا أصبَحْتَ فلا تنتظِرِ المساءَ وإذا أمسَيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ وخُذْ مِن صحَّتِكَ لِمرضِكَ ومِن حياتِكَ لِموتِكَ.

فمن السهولة أن يقال للواحد منا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه، ولكن من الصعوبة أن تتحقق بهذا النعت وهذا الوصف، وما جعل ابن عمر على هذه الحال حقيقة - وكما يدل على ذلك حاله من سيرته - هو انتفاعه بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجه همته للاقتداء والاهتداء.

الهوامش

1 - الراوي : حكيم بن حزام | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1472
2 - صحيح البخاري، كتاب:الرقاق، باب:قول الرسول صلى الله عليه وسلم : كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية