كتاب : سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر
المؤلف : أحمد بن محمد بن عجيبة
قال الشيخ الإمام العامل، العالم العارف بربه، الكامل الصوفي، والولي الصالح الواصل : أبو العباس، سيدي أحمد بن محمد بن عجيبة البحسني، رضي الله عنه، ونفعنا ببركته آمين آمين.
الحمد لله، الملك القدير، المنفرد بالإيجاد والتدبير، الذي أبدع الأشياء وأتقنها على ما سبق في علم التقدير، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا البشير النذير، السراج المنير، ورضي الله تعالى عن أصحابه الكرام، الذين قرروا شريعته المطهرة أي تقرير.
وبعد فبحر القدر والقضاء، بحر عميق، لا يخوضه إلا أهل التحقيق، ولا يذوقه إلا ذو الهداية والتوفيق. وهذه نبذة يسيرة، تعين على الخوض فيه، وتسكن القلوب المرضى بمجاريه. حملني عليه، أني رأيت كثيرا ممن يشار إليهم بالعلم والعمل، قد ضل عنه وأضل، وجعل يدافع المقادير بما يقدر عليه من الأسباب والحيل، وقد قيل : زلة عالم يضل بها عالم. فلقد رأيت كثيرا من العلماء زمن الوباء، يأمرون بغلق أبواب المدينة ويفرون من الدخول على المرضى خوفاً من الموت، وهذا الذي حملني تقييد هذا التأليف، فلا عبرة بعلم الأوراق، إذا لم يؤيده الوجدان والأذواق. فالعلم النافع هو الذي ينكشف به عن القلب قناعُه، وينبسط في الصدور أنوار اليقين وشعاعه، ويزول عن القلب الشكوك والاضطراب، وتحصل له الطمأنينة بشهود ربِّ الأرباب، فمن لا يقين عنده ولا تحقيق، فلا علم له ولا هداية ولا توفيق، فشاهد العلم العمل، وشاهد الحال هو الذوق، وغاية الذوق السكر، وهو الغيبة عما سوى الحق، وغاية السكر الصحو؛ وهو شهود الآثار بالحق، وميزان هذا هو اليقين، وهو السكون عند مجاري الأقدار، وترك الخوض بالتدبير، والاختيار، والرضى بما يبرز من عناصر الأقدار، والتسليم لأحكام الواحد القهار. وينحصر المقصود من هذا التأليف في خمسة أبواب :
الباب الثاني : في الاستدلال عليه من الكتاب والسنة، وكلام السلف الصالح، ومن طريق الكشف.
الباب الثالث : في بيان الحكمة التي هي كالرداء للقدر والقضاء، وبيان القدرة التي يقع بها الإظهار والإضمار.
الباب الرابع : في إبطال العدوى والطيرة. الباب الخامس : في اكتساب اليقين، وذكر مواده ومواطنه.
وسميته : "سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر" نسأل الله تعالى ربنا، أن ينفع به من كتبه، أو كسبه، أو سمعه، أو طالعه، بمنه وكرمه، وأن يلقح في قلبنا وقلبه أنوار اليقين، ويشرق في سماء أسرارنا شموس العارفين بجاه خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وقدوة المحبين، سيدنا ومولانا محمد الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله، وأهل بيته الطاهرين.