آخر الأخبار

جاري التحميل ...

السري السقطي إمام البغداديين

السري السقطي إمام البغداديين

" اللهم ما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب "


منارة من منارات العلم والتربية الصوفية في القرن الثالث الهجري، وعلم من أعلام التصوف السني، وعالم مبرز من علماء أهل السنة والجماعة...ذلك هو أبو الحسن السري بن مفلس السقطي المولود سنة 160هـ، يرجح الكثير من المؤرخين والباحثين أنه أول من أعطى لعلم التوحيد كينونته القائمة الذات، علاوة على تمرسه بعلوم الحقائق والأحوال، تتلمذ على يد معروف الكرخي الذي كان له فضل كبير في توجيهه، يقول القشيري "[...] سمعت أبا العباس بن مسروق يقول، بلغني أن السري السقطي كان يتجر في السوق وهو من أصحاب معروف الكرخي، فجاءه معروف يوما ومعه صبي يتيم فقال: اكس هذا اليتيم، قال سري: فكسوته ففرح به معروف وقال: بغض الله إليك الدنيا وأراحك مما أنت فيه، فقمت من الحانوت وليس شيء أبغض إلي من الدنيا، وكل ما أنا فيه من بركات معروف".

مثلما أفاد السري السقطي من شيوخه، كان له دور كبير في تكوين الصوفيين، ولعل أبرزهم ابن أخته الجنيد الذي يدلي بهذه الشهادة في حقه، يقول "ما رأيت أعبد من خالي، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعا إلا في على الموت، دخلت عليه وهو في النزع فجلست عند رأسه ووضعت خذي على خذه فدمعت عيناي فوقع دمعي على خذه وقال لي: من أنت؟ قلت: خادمك الجنيد !، فقال: مرحبا، فقلت أوصني بوصية أنتفع بها بعدك قال: إياك ومصاحبة الأشرار، وأن تنقطع عن الله بصحبة الأخيار".

إن ما يبتغيه الصوفي أولا وأخيرا هو أن يخلص نفسه للحضرة الإلهية حتى يتسنى له الأنس بها، يقول السري: "أربعة أشياء لا يسكن في القلب معها غيرها: الخوف من الله، والرجاء لله وحده، والحب لله وحده، والأنس بالله وحده".

هكذا يتضح أن التجربة الصوفية عند السري السقطي – كما عند الجنيد من بعده- تستمد أنوارها من مشكاة التوحيد، فالله الواحد الأحد هو محور كل الأقوال والأفعال الصادرة عن الصوفي/العبد: فهو إذ شكر شكر الله، وإذا أطاع أطاع الله، وإذا خاف خاف من الله، وإذا رجا رجا الله، وإذا افتقر افتقر إلى الله ...الخ، وإليكم جملة من أقوال السري التي تترجم حقيقة هذه العلاقة، يقول: "الشكر ثلاثة أوجه: للسام وللبدن وللقلب، فالثالث أن يعلم أن النعم كلها من الله، الثاني ألا يستعمل جوارحه إلا في طاعته بعد أن عافاه الله والأول دوام الحمد عليه".

-"من خاف الله خافه كل شيء".
-"اجعل فقرك إلى الله تستغني به عمن سواه".

-"المتصوف اسم لثلاث معان: هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله".

إن الخيط الناظم لعلاقة العبد بربه إنما هو المحبة، وهي عند الصوفية "حالة شريفة شهد الحق سبحانه بها للعبد وأخبر عن محبته للعبد، فالحق سبحانه يوصف بأنه يحب العبد والعبد يوصف بأنه يحب الحق سبحانه" (الرسالة القشيرية). إنه الحب المفضي إلى الفناء يقول السري السقطي: "لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد للآخر: يا أنا"، وهذا التماهي/الفناء يعكس في طياته تجربة عشق إلهي يرتمي الصوفي المحب في أتونها ولا يبالي يقول السري:

من لم يبت والحب حشو فؤاده
لم يدر كيف تفتت الأكباد

تلك هي ثنائية الفناء والبقاء كما بلورها الصوفيون من خلال عروجهم نحو الذات الإلهية، ذلك أن الفناء في الله موت والبقاء بالله بعث، يقول السري:

فما الحب حتى يلصق الجلد بالحشا
وتذل حتى لا تجيب مناديا

وحتى لا يبقي لك الهوى
سوى مقلة تبكي بها أو تناجيا

رحم الله السري السقطي وأسكنه فسيح جناته.

علي كرزازي/ المغرب

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية