آخر الأخبار

جاري التحميل ...

سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر-3


الباب الثاني
في الاستدلال عليه من الكتاب والسنة، وكلام السلف الصالح.


أما الاستدلال عليه من الكتاب العزيز، فقال تعالى : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49] أي كل شيء أبرزناه هو بقدر سابق. وقال تعالى : {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس:12]. وهو اللوح المحفوظ. وقال تعالى : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}[الرعد:8]. وقال تعالى : {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[الأحزاب:38]. وقال تعالى : {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال:44]. وقال تعالى : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد:22]. أي ما أصاب الناس من مصيبة من شر أو من خير في الأرض بالجدب والقحط، أو الغرق، ولا في أنفسكم بالموت أو القتل، إلا في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، من قبل أن نبرأها، أي نظهرها، ثم قال تعالى : {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد:23]. لأنه أمر قدِّر في أزله، أنه لا يكون، أو لا يدوم فلا تحزن على شيء لم يكن لك، أو انقضى أجله عندك. { وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}. لأنه سبق قبل ظهوره لكم، وأنه واجب إتيانه إليكم، والمطلوب هو الاعتدال في المنع والعطاء، والقبض والبسط، والفقد والوجد، والذل والعز، والفقر والغنى، والصحة والمرض، وغير ذلك من اختلاف الأحوال، وانتقالات الأطوار، إذ جميع ذلك قد جرت به الأقدار، فلا يظهر الحزن على شيء فات ولا يظهر الفرح بشيء آت، قال تعالى : {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطلاق:3] أي أجلباً معلوما، ووقتاً محدودا.لا يتقدم عليه لحظة، ولا يتأخر عنه ساعة، وقال تعالى في شأن أجل الموت : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا}[آ عمران:145] أي مقدارا محدوداً قبل لأن يخلقها. وقال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ}[الأنعام:2]. فالأول للموت، والثاني للبعث. وقال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى}[الأنعام:60]أي ليبلغ المتيقظ آخر أجله المسمى عنده الله في أزله، ثم يرجع إلى ربه. ثم قال تعالى : {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام:61] أي لا يتجاوزون ما حد لهم من الأجل بزيادة أونقصان. قال تعالى : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:34] أي إذا جاء موتهم بالعذاب أو بغيره لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وقال تعالى : {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ}[فاطر:11] ومعنى الآية : وما يعمر من وواحد، أي يجعل عمره طويلا، ولا ينقص من عمره، أي يجعل عمره قصيرا إلا في كتاب، أي في اللوح المحفوظ، فتضمنت الآية شخصين، أحدهما عمر طويل، والآخر نقص من عمره في أجله فكان عمره قصيراً، كل ذلك في كتاب مبين. وقيل النقص من العمر، باعتبار علم الملائكة فإذا وصل أجله مثلا، ظهرت الزيادة التي عند الله، وليس للعبد عند الله إلا عمر واحد، لا يزيد ولا ينقص. وأما قوله تعالى : {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}[الرعد:39.]

فمعناه : يمحو ما عند الملائكة، ويثبت ما عنده، وهو أم الكتاب. وقال تعالى : {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[غافر:67-68] أي ومنكم من يتوفى من قبل الشيخوخة، ويؤخركم لتبلغوا أجلا مسمى، سبق به العلم القديم وسطرته الملائكة وقت نفخ الروح، ولعلكم تعقلون فتعرفون أن الموت والحياة بيد الله، أي لا تأثير لشيء من الأسباب في الموت، كالوباء وغيرها بل الأمر كله لله ولذلك قال : {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي لا غيره {وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا} من موت أو غيره {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. وقال : {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[نوح:4]، فهذه الآيات صريحة في تحديد الأجل وتقديره في الأزل فلا يتأخر ولا يتعجل، لا بوباء ولا بغيرها، فليسكن الإنسان عند ربِّه به، وينظر ما يفعل ربّه به، فلا يخاف ولا يحذر، إذ لا ينفع حذر من قدر.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية