السؤال الثالث
وسألوني : إذا كان لا حلول ولا اتحاد فما القوى الحاملة للعبد ؟ هل هي عين أم غير ؟ إن قلنا هي غير فقد قام العبد بنفسه وهو محال، وإن قلنا عين فهو عين القول بالحلول. وما معنى حديث "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي سبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها" أوضحوا لنا الجواب فإننا في حيرة عظيمة.
فأجبتهم : هذه مسألة لا يرفع الشبهة فيها بالكلية إلا الكشف، فاعملوا على جلاء مرآة قلوبكم بالأعمال السنيّة والشِّيم المرضية وإلا فالعقل في حيرة من ذلك.
وأمّا معنى :"كنتُ سمعه الذي يسمع به" إلى آخر النسق، فمعناه أنّى أكون أفعل له ما يريد بجميع قواه، فعبّر عن أثار المعاني القائمة بهذه الأعضاء بنفسه تعالى لأنه هو الفاعل لها الموجد لها في العبد فكأنما هو تعالى وليست هي هو فللحق تعالى الفعل بلا آلة وله الفعل بالآلة مثل قوله تعالى : {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}[التوبة:14] ومثل قوله تعالى : {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ}[الأنفال:17] فافهموا. وأكثر من ذلك لا يقال لعلماء الإنس فضلا عن مؤمني الجن، والله أعلم.
السؤال الرابع
وسألوني : إذا جهل العبد حقيقة نفسه وحار فلم يقطع بكون حقيقته هو الحق أو حقيقته غيره، هل له أن يقول أنا الحق في وجودي ؟
فأجبتهم : لا يجوز ذلك لأحد ولو ارتفعت رتبته في التقريب وللحق تعالى أن يقول ما ثمّ غيري وأنتم عدم في حال كونكم وجوداً لأني على كلّ شيء قدير، أخاطب المعدوم كالموجود وأنعمه وأعذبه في حال عدمه.
السؤال الخامس
وسألوني : عن إذراك الحق تعالى لِم كان لا يدرك بإقامة الأدلّة ؟
فأجبتهم : إنما لم يكن الحق تعالى يدرك بالدليل لأن أدلّة المحدثات كلّها جاهلة بخالقها فأحرى بالجهل من يستدلُّ بها ولكن الله تعالى إذا أراد أن يظهر لقلب عبد يعيره علماً من علمه فيدركه إدراكاً لائقاً بذلك العبد لا بالله.
السؤال السادس
وسألوني : لِم كان الجسم لا يرى الروح مع أنه قائم بها وهي أقرب إليه من كل شيء ؟
فأجبتهم : الجواب في هذا الجواب في مثل قولهم لِم كان الخلق لا يدركون خالقهم في هذه الدار ولا يرونه مع أنه تعالى أقرب إليهم من حبل الوريد وإلى ذلك الإشارة بحديث "مَن عرف نفسه عرف ربه" وهذا أمر لا يزيل شبهته إلا نور الكشف والشهود، وأما العبارة فلا تركبه أصلا، والله تعالى أعلم.