ثم قال قدس الله سره : وإذا عمل أحدكم عملا توعّد الله تعالى عليه بالنّار فليختمه بالتوحيد يأخد بيد صاحبه يوم القيامة لا بدّ من ذلك. قلتُ : ويؤيد ذلك ما رُوي عن أبي ذر أنه قال : يا رسول الله أوصني، قال : «أوصيك بتقوى الله تعالى، وإذا عملتَ سيّئة فاتبعها بحسنة تمحُها»، قلتُ : يا رسول الله أمن الحسنات قول لا إله إلا الله ؟ قال : «من أفضل الحسنات» ذكره في شرح أمّ البراهين، وكان الشيخ أبو تراب النخشبي رحمه الله تعالى يقول : "إذَا أَلِفَ القلبُ الإعراض عن اللهِ تعالى صَحِبَتهُ الوَقيعة في أولياءِ الله تعالى". قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني : "وذلك لأنه لو كان من المقبلين بقلوبهم على حضرة ربهم سبحانه وتعالى لشمّ روائح أهل حضرة ربِّه تعالى، فتأدّبَ معهم ومدحهم وأحبّهم وخدم نِعالهم حتّى يقربُّوه إلى حضرته سبحانه وتعالى ويصير مثلهم، كما هو شأن من يريد التقرب إلى ملوك الدنيا". وكان الشيخ أبو عبد الله القريشي رحمه الله تعالى يقول : "من بغض وليًّا لله تعالى ضُرب في قلبه بسهم مسموم، ولم يمت حتى تفسد عقيدته، ويخاف عليه من سوء الخاتمة". وكان الشيخ زكرياء الأنصاري رحمه الله تعالى : "الاعتقاد صنيعة والإنتقاد حرمان". وقال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه : "الإنكار فرع النفاق". قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني : "وذلك لأن المنافقين لو لم ينكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لآمنوا به ظاهرًا وباطنًا". وكان الشيخ الجنيد قدس الله تعالى سرّه يقول : "من قعد مع هؤلاء الفقراء وخالفهم في شيء ممّا يتحقّقون به نزع الله تعالى منه نور الإيمان". وقد روي في مناقب الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله تعالى سرّه بأسانيد متعدِّدة عن أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عصرون التّميمي الشافعي قال : "دخلتُ وأنا شاب إلى بغداد في طلب العلم، وكان ابن السقا يومئذ رفيقي في الاشتغال في النظامية، وكنا نتعبد، ونزور الصالحين، وكان حينئذ رجل ببغداد يُقال له: الغوث، وكان يقال: إنه يظهر إذا شاء ويختفي إذا شاء، فقصدت زيارته أنا وابن السقا وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَاب فَقَالَ ابْن السقا وَنحن سائرون لأسألنه مسئلة لَا يدْرِي لَهَا جَوَابا، وَقلت لأسألنه مسئلة وَأنْظر مَا يَقُول فِيهَا، وَقَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر معَاذ الله معَاذ الله أَن أسأله شيأ أَنا بَين يَدَيْهِ أنْتَظر بركَة رُؤْيَته، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَلم نره في مكانهِ فَمَكثنَا سَاعَة فَإذا هوَ جالِسٌ فَنظَرَ إِلَى ابْن السقا مغضبا وَقَالَ : وَيحك يَا ابْن السقا تَسْأَلنِي مسئلة لَا أَدْرِي لَهَا جَوَابا هِيَ كَذَا وجوابها كَذَا، وَإِنِّي لأرى نَار الْكفْر تلتهب فِيك، ثمَّ نظر إِلَيّ وَقَالَ : يَا عبد الله أتسألني عَن مسئلة لتنظر مَا أَقُول فِيهَا، هِيَ كَذَا وجوابها كَذَا، ولتأخُدَنَّكَ الدُّنْيَا إِلَى شحمتي أذنيك بإسائة أدبك، ثمَّ نظر إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَأَدْنَاهُ مِنْهُ وأكرمه وَقَالَ يَا عبد الْقَادِر لقد أرضيت الله وَرَسُوله بِحسن أدبك كَأَنِّي أَرَاك بِبَغْدَاد وَقد صعدت علَى الْكُرْسِيّ متكلما على الْمَلأ، وَقلت : "قدمي هَذا على رَقَبَة كل ولي الله" وَكَأَنِّي أرى الْأَوْلِيَاء فِي وقتك وَقد حنوا رقابهم إجلالا لَك، ثمَّ غَابَ عَنَّا فَلم نره، قَالَ : فَأما الشَّيْخ عبد الْقَادِر فإنه ظَهرت أَمَارَات قربه من الله عزّ وجلّ وَأجْمع عَلَيْهِ الْخَاص وَالْعَام وَقَالَ : قدمي هذا على رقبة كلّ ولي الله وأقرَّت الْأَوْلِيَاء فِي وقته لَهُ بذلك. وَأما ابْن السقا فَإِنَّهُ اشْتغل بالعلوم الشَّرْعِيَّة حَتَّى برع فِيهَا، وفَاق فِيهَا كثيرا من أهل زَمَانه، واشتهر بِقطع من يناظره فِي جَمِيع الْعُلُوم، وَكَانَ ذَا لِسَان فصيح وسمت بهي فأدناه الْخَلِيفَة مِنْهُ وَبَعثه رَسُولا إِلَى ملك الرّوم، فَرَآهُ ذَا فنون وفصاحة وسمة فأعجب بِهِ وَجمع لَهُ القسيسين وَالْعُلَمَاء بدين النصرانية وناظروه فأفحمهم عجزا، فَعظم عِنْد الْملك ثمَّ رَأى بنتًا للْملك حسناء فَفُتن بهَا، فَسَأَلَهُ أَن يُزَوّجهَا منهُ فأبَى إلَّا أن يتنصَّر فأجابَهُ وتزوَّج بها، فذكر ابن السّقا كلام الغوث وعلِمَ أنه أُصيب بسببه. وأمّا أنا فجئتُ إلى دمشق وأحضرني السلطان نور الدين الشهيد وأكرهني على ولاية الأوقاف فوليتها، وأقبَلَتْ عليّ الدنيا إقبالًا كثيرًا، وصدق قول الغوث فينا كلّنا، نعوذ بالله تعالى من غضبه ونسأله حسن الخاتمة، آمين.
آخر الأخبار
جاري التحميل ...