آخر الأخبار

جاري التحميل ...

محاسن المجالس أو بیان فی مقامات السادة الصوفیة -11

الفصل الحادي عشر : وأما الشوق فهو من منازل العوام


فصل وأما الشوق فهو من منازل العوام؛ إذ الشوق هو هبوب القلب إلى تمني غائب يحضر، وإعواز الصبر عن فقده، وارتياح السر إلى طلبه، وهو من أضعف منازل القوم.

وأما الخواص فهو عندهم علة عظيمة؛ لأن الشوق إنما يكون إلى غائب. ومذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة. : {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}[الفرقان:45] فالطريق عندهم أن يكون العبد غائباً والحق حاضراً. ولأجل هذا المعنى لم ينطق بالشوق كتاب ولا سنة صحيحة، لأن الشوق مخبر عن بعد ومشير إلى غائب، وتطلع إلى مدرك. وقد قال تعالى : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:4]. وفي هذا قيل : 

ولا معنى لشكوى الشوق يوماً
إلى من لا يزول عن العيان

أودعكم وأودعكــم جنـــاني
وأسبل عـبرة مثل الجمـان

ولو شــاء الإله لمــا افترقنا
ولكن لا خيـار مع الزمـان

وحكي أن الشبلي رحمة الله عليه أنه رأى في بعض الأيام مجنوناً يعدوا والصبيان خلفه يرمونه بالحجارة. وقد أدموا وجهه وشجوا رأسه، فقام له الشبلي في زجرهم عنه، فقالوا : يا شيخ دعنا نقتله فإنه كافر. قال : وما الذي بان لكم من كفره ؟ فقالوا : أنه يزعم أنه يرى ربه ويحادثه . فقال : أمسكوا عنه قليلاً حتى أسأله. ثم تقدم الشبلي إليه فوجده يتحدث ويضحك ويقول في أثناء ذلك : هذا جميل منك، تسلط عليّ هؤلاء الصبيان يفعلون بي هكذا. فتقدم إليه وقال له : يا أخي أصحيح ما يقول هؤلاء الصبيان عنك. قال يا شبلي وما يقولون ؟ قال : يقولون أنك ترى ربك وتحادثه. فصاح صيحة عظيمة ثم قال : يا شبلي وحق من تيمني بحبه وهيمني به بين بعده وقربه، لو احتجب عني طرفة عين لتقطعت من ألم البين، ثم ولي وأنشأ يقول:

خيالك في عيني وذكرك في فمي
ومثواك في قلبي فأين تغيب

خليلي ما للعاشقين قلـــــوب
ولا للعيون المغيّرات ذنوب

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية