رسائل مولاي العربي الدرقاوي -علامة المنقطع إلى الله

فضيلة عمل السر على الجهر، وفضل حلقة الذكر

ومنها : فعمل السر - أيها الفقير - يفضل عمل الجهر بسبعين درجة، كما ورد.

ونرى - والله أعلم - أن حلقة الذكر التي عليها إخواننا الفقراء جهراً قيامًا وقعوداً وفي الزاويات، وفي الديار، وفي الخلاء، وفي العمارة، تقوم مقام السر لأن الوقت وقت غفلة، وقد استولت على الناس فأخدت قلوبهم وجوارحهم، وتركتهم (صمٌّ بُكمٌ عُميٌ فهُم لَا يَعْقِلُون).

فالحمية في الدين هكذا، والإجهار به، والاشتهار له أولى من إخفائه، ولاسيما حلقة الذكر لها فضل كبير، وسرٌّ واضحٌ شهير. قال صلى الله عليه وسلم : (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَارْتَعُوا". قَالَ: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "حِلَقُ الذِّكْرِ)1.

وقال صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللهَ، لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إلَّا وَجْهَهُ، إلَّا ناداهُمْ مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئاتُكُمْ حَسَناتٍ)2، إلى غير هذا.

وقد قلت هذا لأخي في الله العالم الصوفي، المحقق الشريف أبو العباس سيدي أحمد بن عجيبة المنجري فاستحسنه ولم يستقبحه - رضي الله عنه - والسلام.

علامة المنقطع إلى الله، الفاني في شهود عظمته

ومنها : فالمنقطع إلى الله له علامة كبيرة يُعرف بها وهي أن تكون الأمور كلها جليلها وحقيرها طوع يده، وعند أمره ونهيه، إذ هو في الوجود كالقلب في الجسد - والله أعلم - والقلب إن تحرّك تحرّكت الجوارح، وإن سكن سكنت، وإن قام قامت، وإن جلس جلست، وإن انقبض انقبضت، وإن انبسط انبسطت، وإن ضعف ضعفت، وإن تقوّى تقوّت، وإن تواضع تواضعت، وإن تكبّر تكبّرت، وهكذا...، فكذلك المُنقطع إلى ربه، الفاني في شهود عظمته عن توهم وجود غيره، يكون الوجود بأسره على مذهبه وعند أمره ونهيه، فأين ما صار يصير، والله على ما نقول وكيل، والسلام.

1 - الراوي : أنس بن مالك| المصدر : صحيح الترمذي

2 - [رواه أحمد، والبيهقي، والبزار، والطّبراني].

أول  السابق  التالي