آخر الأخبار

جاري التحميل ...

سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر-6

سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر-6

وأما دليله من طريق الكشف والوجدان : فاعلم أنّ من رقّ حجابه، وتلطّفت بشريّته، يُطلعه الله تعالى، على مواقع الأقدار، قبل أن تنزل، إما أن يُخاطب بها في اليقظة، وإما أن يراها في النوم. وقال عليه الصلاة والسلام : "رُؤْيَا المُؤْمِنُ جُزْءٌ مِنَ سِتَّةَ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" وقال عليه السلام : "إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ، لَا تَكَادُ رُؤْيَا المُؤْمِنُ تُخْطِئ". وقد تحققنا هذا الأمر من أنفسنا والحمد لله، فقبل أن ينزل بنا أمر جلالي، أو جمالي، إلا نراه قبل نزوله بمدّة. منه ما تطول مدته، ومنه ما تقرب، فننتظر وقوعه، كما ينتظر الغائب القادم من سفره، فإذا نزل، وجد القلب قد استعدّ لنزوله، وتوطّن لهجومه، فلا تحركه صدماته، ولا تدهشه وِرادته، فتحققنا ذوقاً وكشفاً؛ أن المقادير جرت في الأزل، وتعيّنت أوقاتها ومقاديرها، لا تتقدّم ولا تتأخر، لكن من حكمة الحكيم العليم، أن غطّى هذا السرّ برداء الحكمة، فجعل لكل شيء سبباً، فينزل القدر في وقته الذي تعيّن له في الأزل، ويغطّيه بوجود سببه، قيقال : فلان فعل كذا، فجرى له كذا، وفلان مشى إلى موضع الوباء مثلاً، فمات بها، أو نقلها إلى غير موضعها، والوقوف مع هذا، دون النظر إلى باطن الأمر وتصريف القدرة، حجاب غليظ، وجهل قبيح، ربما يؤدي إلى الكفر إن اعتقد التأثير، وأنكر القدر، وهنا زلّت أقدام كثير ممن يدّعي العلم، وليس عنده إلّا رسمه، والإخبار بالأمور قبل أن تقع، أمر متواتر، منها ما كان من طريق الوحي، كقوله تعالى : ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [النور:55]. وقد مكّن الله الصحابة، من مشارق الأرض ومغاربها، وكقوله تعالى : ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: 1 ـ 4]. وقد غلبوا فارس زمان الحديبية، وقوله تعالى : ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ [الفتح:27]. وقد وقع يوم الفتح، وإما إخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات المستقبلة، فلا تكاد تحصى، وقد حذّر صلى الله عليه وسلم، من الفتن التي تأتي بعده، كأنه يشاهدها، فوقع ذلك كله، وقد وجد مكتوبا بقلم القدرة على جدار قصر دارس ما نصه :

ما لا يَكونُ فَلا يَكونُ بِحيلَةٍ * أَبَداً وَما هُوَ كائِنٌ سَيكونُ ·
سَيكونُ ما هُوَ كائِنٌ في وَقتِهِ * وَأَخو الجَهالَةِ مُتعَبٌ مَحزونُ
هَوِّنْ عَلَيْكَ وَكُنْ بِرَبِّكَ وَاثِقًا * فَأَخُو الحَقِيقَةِ شَأْنُهُ التَّهْوِينُ

فلو كانت الأمور تبرز اتفاقية، كما تقول الروافض والقدرية مجوس هذه الأمة، لم يقع الإخبار بها قبل أن تكون، ثم يقع ذلك، فإن قلت : ما ذكرته إخبار بمعلوم، إذ المسلمون كلهم يقرؤون هذا، قلتُ : ليس مرادنا الاكتفاء بمجرد العلم، بل مرادنا تربية اليقين، ولا شك أن ذكر ما يقويه مطلوب، وهو جندٌ من جنود الأنوار؛ وبالله التوفيق؛ وهو الهادي إلى سواء الطريق.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية