وقال أبو سليمان الدّراني : ربَّما في قلبي النُّكتة من نكتة القوم أياما، فلا أقبل إلا بشاهدين عدلَيْن : الكتاب والسنَّة.. وقال أحمد بن الحواري : من عمل عملا بلا اتّباع سنّة فباطل عمله.
و قال أبو حفص الحدّاد : من لم يزِن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنّة، ولم يتهم خواطره، فلا تعده في ديوان الرجال. وسئل عن البدعة، فقال : التعدي في الأحكام، والتّهاون في السنن، واتّباع الآراء والأهواء، وترك الاتباع والاقتداء، وقال : ما ظهرت حالة عالية إلّا من ملازمة أمر صحيح. وسأل حمدون القصّار : متى يجوز للرجل أن يتكلّم ؟ فقال : إذا تعيّن عليه أداء فرض من فرائض الله في علمه، أو خاف هلاك إنسان في بدعة، يرجو أن ينجيه منها، وقال : من نظر إلى سِيَر السلف عرف تقصيره، وتخلُّفه عن درجات الرجال، ويعني بالسلف ما سلف من أصحاب الحقيقة الصوفيّة.. قال الإمام الشاطبي تعليقًا على النّص : وهذه - والله أعلم - إشارة إلى المثابرة على الاقتداء، فإنّهم أهل السنّة.
وقال أبو القاسم الجنيد : الطرق كلّها مسدودة على الخلق، إلّا على من اقتفى أثرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم... ومذهبنا مقيّد بالكتاب والسنّة.
وقال أبو عثمان الجبري : الصحبة مع الله تعالى بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة ، والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ، ولزوم ظاهر العلم ، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والخدمة. وقال : وقال : من أمَّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة ، قال الله تعالى : "وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا"[النور:54] .قال أبو الحسين النوري : من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه .
وقال محمد بن الفضل البلخي : ذهاب الإسلام من أربعة : لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلمون، ويمنعون الناس من التعلم. وقال : أعرفهم بالله أشدهم مجاهدةً في أوامره ، وأتبعهم لسنة نبيه .
وقال شاه الكرماني : من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشبهات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال، لم تخطىء له فراسة. والفراسة عند المفكرين تعني التيقّن، وعند أصحاب الحقيقة تعني مكاشفة الغيب.
وقال أبو سعيد الحراز : كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل. وقال أبو العباس بن عطاء وهو من أقران الجنيد : من ألزم نفسه آداب الله نور الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه. وقال : أعظم الغفلة غفلة العبد عن ربه عز وجل وغفلته عن أوامره، وغفلته عن آداب معاملته .
وقال إبراهيم الخواص : ليس العالم بكثرة الرواية ، وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم ...وسئل عن العافية فقال : العافية أربعة أشياء ، دين بلا بدعة، وعمل بلا آفة، وقلب بلا شغل، ونفس بلا شهوة. وقال : الصبر، الثبات على أحكام الكتاب والسنة.
وقال بنان الحمال - وقد سئل عن أصل أحوال الصوفية - فقال : الثقة بالمضمون والقيام بالأوامر، ومراعاة السر، والتخلي من الكونين .
وقال أبو حمزة البغدادي : من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه، ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأفعاله وأقواله .
وقال أبو إسحاق الرقاشي : علامة محبة الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه. ودليله قوله تعالى : "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"[آل عمران:31] .
وقال ممشاذ الدينوري : آداب المريد في التزام حرمات المشايخ، وحرمة الإخوان، والخروج عن الأسباب، وحفظ آداب الشرع على نفسه... والخروج عن الأسباب يعني عدم التعلُّق بها، والتعلّق بخالقها.
وسئل أبو علي الروزباري - كما تقدّم - عمن يسمع الملاهي ويقول : هي لي حلال، لأني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال . فقال : نعم قد وصل، ولكن إلى سقر .
وقال أبو محمد عبد الله بن منازل : لم يضيع أحد فريضة من الفرائض إلّا ابتلاه الله بتضييع السنن، ولم يبتل بتضييع السنن أحد إلّا يوشك أن يبتلى بالبدعة .
وقال أبو يعقوب النهرجوري : أفضل الأحوال ما قارن العلم. وقال أبو عمرو بن نجيد : كل حال لا يكون عن نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه. وقال بندار بن الحسين : صحبة أهل البدع تورث الإعراض عن الحق .
وقال أبو بكر الطمستاني : الطريق واضح، والكتاب والسنة قائم بين أظهرنا، وفضل الصحابة معلوم لسبقهم إلى الهجرة ولصحبتهم، فمن صحب منا الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه والخلق، وهاجر بقلبه إلى الله، فهو الصادق المصيب .
وقال أبو القاسم النصراباذي : أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة ـ وترك البدع والأهواء ، وتعظيم حرمات المشايخ ، ورؤية أعذار الخلق . والمداومة على الأوراد ، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات.(1) انتهى ما احتجّ به الإمام الشاطبي من كلام شيوخ الصفيّة في إثبات السنّة ودحض البدعة.
وبعد : "فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ" ومن هم المحقّون، ومن هم المُبطلون ؟ ومن هم العلماء الربانيون، ومن هم المعارضون جهلا عن غير علم ؟ ومن هم أصحاب الحقّ والحقيقة، ومن هم المحرِّفون الحقّ عن مواضعه ؟ ومن هم الهداة، الذين أقاموا أحكام الكتاب والسنة في معتقداتهم وأعمالهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وسلوكاتهم، ومن هم المفتونون بالإشتغال بالمخلوق بدل الخالق.. ؟ إن النتيجة التي يقدِّمها البحث تقول بأن من أراد أن يسير على الدّين القويم، ويسلك سبيل النجاة، ويهتدي إلى أقوم الطرق إلى معرفة الله، لن يجد أحسن من صحبة أصحاب الحقيقة الصوفيّة، من الأولياء والعارفين، الذين فتح الله بصائرهم، ونوّر سرائرهم، وعبّرت ألسنتهم عمّا تكنُّه قلوبهم. وهم المجاهدون الذين فتحوا القلوب بسرِّ الخالق ومدد نبيِّه، وفتحوا القارّة الإفريقية بحسن المعاملة، بعد انتهاء فتوحات المجاهدين بالسيف من شمالها.
** ** **
1 - الاعتصام 90/1-98.للإمام العلّامة المحقق الأصولي، أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي الغرناطي. في النصوص السابقة
.