والإنسان مركب من طبائع أربعة، وقوى أربعة، لها فضائل أربعة، يُجمع له صفات المدح ومكارم الأخلاق كلها وهي : الشجاعة : فضيلة النفس الغضبية، انبعاثها من الدماغ عن عنصر الصفراء، محله المرارة بجانبي القلب. والعلم : فضيلة النفس الناطقة النباتية انبعاثها من الرئة بجانب القلب عن عنصر البلغم من الإنسان. والعدالة : فضيلة عفة البطن والفرج، هي فضيلة النفس الترابية الحساسة الشهوانية من الإنسان، انبعاثها من الكبد عن عنصر السوداء، محلها الطحال من الإنسان.
ومجموع هذه الأربعة مركب في الإنسان من جزء النار للدم، والهواء والصفراء والماء للبلغم، والتراب للسوداء، ومجموع الأربعة كمال نوع الإنسان، والمقصود من إقامة الخالق والخلق والمعاش والمعاد، ولا يثمر ذلك إلا بمعونة سبعة من أبدال هذه الأوتاد الأربعة من الإنسان، المال، والشرع، والصدق، والرجال المنجدون بالنصر للمظلوم ودفع الظالم، والعقل المترف في العقود والعهود، والحفط بالكتابة، وتدبير المملكة بإعطاء كل ذي حق حقه، ومجموع ذلك كمالها، أما المال فخازن المملكة وبه جمالها ورونقها وجل مصالحها، فصاحة حسان، وخط ابن مقلة، وحكمة لقمان، وزهد ابن أدهم، إذا اجتمعت في المرء، والمرء مفلس ونودي عليه لا يباع بدرهم. وأما العلم فقاضي المملكة وأشرقت الأرض بنور ربها، بنور عدله وحكمه بعلمه.
شعر :
الناسُ مِن جِهَةِ التِمثالِ اَكفاءُ * أَبوهُمُ آدَمُ وَالأُمُ حَوّاءُ
فَإِن يَكُن لَهُمُ مِن أَصلِهِم شَرَفٌ * يُفاخِرونَ بِهِ فَالطينُ وَالماءُ.
ما لفضلٍ إلا لأهلِ العلمِ إنّهم * على الهُدَى لِمن استهدى أدلاء
وقيمةُ المرءِ ما قَد كانَ يُحسنُهُ * والجاهلونَ لأهلِ العلمِ أعداء
وقال آخر :
إن الدراهم في المجالس بهجة * تكسوا الرجال مهابة وجمالا
فإذا الفقير يقول قالوا * أخطأت يا هذا و قلت ضلالا
وإذا الغني يقول يسمع قوله * قالوا صدقت وصدّقوا ما قال
وقال آخر :
تَعَلَّمْ فإنَّ العِلْمَ زينٌ لأهْلِهِ * وَفَضْلٌ وَعنوانٌ لِأَهْلِ المَحَامِدِ
هُوَ العَلَمُ الهَادِي إلى سُنَنِ الهُدَى * هُوَ الحِصْنُ يُنْجِي مِنْ جَميْعِ الشِّدائِدِ
لقد مات خزان المال ولم يزل * أولي العلم أحياء بكسب المحامد
وإنّ فقيها واحدا متورعًا *أشدُّ على الشيطان من ألف عابد
يقال :
يمشي الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضِدَّهُ * والناسُ تغلقُ دونهُ أبوابَها
وتراهُ مبغوضاً وليسَ بِمُذنبٍ * ويرى العداوةَ لا يرى أسبابَها
حتى الكلاب إذا رأت ذا * بزة هشت إليه وبصبصت أذنابها
وإذا رأت رجلا فقيرا عاريا *هشت إليه وكشرت أنيابها.
- وأما الصدق فسياف المملكة، هو سيف الله في أرضه، ما مرَّ على شيء إلا قطعه.
- وأصدق الناس لهجة قريش.
- الناس عند مقالهم وبه الخلائق تمتحن.
وقال آخر :
- أوذيت من زيد الزمان وعمره واعلم بأن الله بالغ أمره.
- وإذا أصبت بما أصبت فلا تقل دهره * وإذا اعتراك الوهمُ في حالِ امرئٍ * فأردتَ تعرفُ خيرَه من شرِّه * فاسألْ فؤادِك عن ضمير فؤاده * يُنْبِيك سرُّك عن خفايا سره.
- وأما الرجال فعز المملكة ومادتها، فإن أهل الأرض عُشُر أهل السماء، ولولا ذلك لما استقر أمرها.
- أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بلا سلاح.
قال آخر:
وإخوانا حسبتهم دروعا * فكانوها ولكن للأعادي وخلتهم سهاما صائبات * فكانوها ولكن في فؤادي وقالوا قد صفت منا قلوب * لقد صدقوا ولكن من ودادي
قال آخر :
إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك * وَمَـن يَـضِـرُّ نَـفـسَهُ لِيَـنـفَـعَك * وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك * شَـتَّتـَ فـيـكَ شَـمـلَهُ لِيَـجـمَعَك * وضر فيك نفسه لينفعك
وأما العقل فمشير المملكة وبه قوامها* العقل زين والجهل شين
العقل خير المواهب والجهل شر * المصائب وحسن العهد من الإيمان * وشرف النسب أصل الرتب * وبالمناسبة ضجت المخاطبة.
شعر :
لَعَمرُكَ ما الإِنسانُ إِلّا بِدينِهِ * فَلا تَترُكِ التَقوى اِتِّكالاً عَلى النَسَب
فَــقَــد عد بين الآل سَــلمـانَ فـارِسي * وَأقصي بالبعد الشقي أَبـو لَهَـب
وأما الكسب والحفظ فهما مادة المملكة وظهيرها وبفقدهما تدميرها. وأما التدبير فرأس العقل ونصف المعيشة وسائر المملكة.