وذكر اليافعي رحمه الله في كتابه "نشر المحاسن" قال : أخبرني بعض الصالحين من ذرية الشيخ أبي الحسن ابن حرز أنه لما وقف أبو الحسن المذكور على كتاب "الإحياء" نظر فيه وتأمّله ثم قال : هذا بدعة مخالفة للسنّة، وكان مطاعًا في جميع بلاد الغرب، فأمر بإحضار كلّ ما فيها من نسخ الإحياء، وطلب من السلطان أن يلزم الناس ذلك، فأرسل السلطان إلى جميع النواحي ونودي فيها لعنة الله على من عنده شيء من كتاب الإحياء ولا يحضره، فأحضر الناس ما عندهم من ذلك واجتمع الفقهاء ونظروا فيه ثمّ أجمعوا على إحراقه يوم الجمعة وكان اجتماعهم يوم الخميس، فلمّا كان ليلة الجمعة رأى أبو الحسن المذكور في المنام كأنه دخل من باب الجامع الذي عادته يدخل منه، فرأى في ركن المسجد نورًا وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما جلوس والإمام أبو حامد الغزّالي قائم وبيده كتاب الإحياء وقال : يا رسول الله انظر فيه، فإن كان بدعة مخالفة لسنّتك كما زعم تبتُ إلى الله تعالى، وإن كان شيئا تستحسنه جُعل لي من بركتك فأنصفني من خصمي. فنظر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورقةً ورقةً إلى آخره، ثم قال : إنّ هذا لشيء حسن، ثم ناوله أبا بكر فنظر فيه كذلك، قال : والذي بعثك بالحق يا رسول الله إنه لحسن، ثم ناوله عمر فنظر فيه كذلك فقال كما قال أبو بكر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجريد أبي الحسن من ثيابه وضربه حدّ المفتري، فجُرِّد من ثيابه وضُرب، ثم شفع فيه أبو بكر رضي الله عنه بعد خمسة أسواط، وقال : يا رسول الله إنما فعل هذا اجتهادًا في سنّتك وتعظيمًا لها، فغفر له أبو حامد عند ذلك. فلمّا استيقظ من منامه وأصبح، أعلم أصحابه بما جرى له، ومكث قريبًا من شهر وَجِعًا من ذلك الضرب، ثمّ نظر بعد ذلك في الإحياء فرأى أمرًا آخر فهمه فهمًا مخالفًا للفهم الأوّل، فرآه موافقًا للكتاب والسنّة. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ظهره بيده المباركة الكريمة، فشفي جسمه وقلبه بعد خمسة وعشرين يومًا، ثم فُتح عليه بعد ذلك ونال من المعرفة بالله تعالى والحظّ العظيم ما نال، وصحبه الشيخ أبو مدين فربّاه ثمّ قال له : قد فُتحت لك ستة أقفال وبقي السابع يفتحه لك الشيخ أبو يعزى فاذهب إليه، فلمّا رآه الشيخ أبو يعزى قال له : قال لك الشيخ أبو الحسن أني أفتح لك القفل السابع ها أنا أفتحه بإذنه، ففتحه له ففتح. وكان من أمر الشيخ أبي مدين وعظم شأنه ما كان رضي الله عنه تعالى عنهم أجمعين.
ولولا أن هذا الشيخ أدركه اللّطف والعناية بالتوبة والهداية، وتشفّع فيه الصديق رضي الله تعالى عنه لكان يموت على ذلك الحال، ويلقى العذاب والنّكال، نسأل الله العفو والعافية وحسن الخاتمة آمين.