فصل في تحقيق صفات الحق
اعلم أنَّ ذات الحقّ الأقدس لا تُعرف إلّا بصفاته العلى، ولا تُعلم إلَّا بأسمائهِ الحُسنى، واختلف العلماء في حقائق صفاته، ودقائق أسمائه، فقال بعض العالمين : "أنّ الصفات غير ذاته، قائمة بذاته". قال بعض الكاملين : "إن الصفات عين ذاته، وغير ذاته". وقال بعض المحقِّقين : أنه ظهرت شؤون ذاته بتَجليات بتجليات صفاته، فتجلَّت فظهر وجود العالم، وبرزت حقيقة آدم صلى الله عليه وسلّم، فتجلّى بصفة الحياة، فظهرت في الموجودات، التي تتصف بالحياة، وإذا تجلّى بصفة العلم فحصل كل علم ومعلوم، في ذوي العلوم، وإذا تجلّى بصفة الإرادة، فصارت المودودات إرادته ومُراده، وإذا تجلّى بالقدرة، فأعطى كلّ شيء من الممكنات المقدورة قدرة، وإذا تجلّى بالهداية فأعطى كلّ موجود من وجوده آية، وقوله تعالى : {أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ} [طه : 50].
واعلم أن كل شيء من الأشياء الظاهرة والباطنة، فهو مظهر اسم من أسمائه، وكل اسم ظهر بمعنى صفةً معيَّنة من صفاته، وكل معنى من معاني صفاته شأن من شؤون ذاته، فالموجودات مظاهر أسمائه وصفاته ومطالع مشارق أنوار ذاته، وأعظم مظهر ظهر به بجميع أسمائه وصفاته آدم عليه السلام لحصول جميع القوابل الكليّة والجزئيَّة له، فظهر الحق في المظاهر بحسب استعداد كل مظهر، وقابليّة كل موجود، ومعرفة كل شيء بحسب ظهور الحقّ فيه، إن كان مظهر صفة واحدة، فيعرف الحق بهذه الصفة الواحدة، وإن كان مظهر بعض الصفات، فمعرفته للحق على مقدار هذه الصفات المعيَّنة، وإن كان مظهرًا جامعًا للقوابل الكليَّة، والاستعدادات السنيَّة، فمعرفته أكمل المعارف، وعمله ألطف اللطائف، فالموجود الجامع للقوابل الكليّة، والاستعدادات السنيَّة، لا يكون إلَّا الإنسان الكامل والموضوع الكامل، وهو أعظم الموجودات، وأشرف الموضوعات، فمعرفته تامَّة كاملة، محيطة شاملة، فالعالم عين الوجود الحق المُطلق والإنسان نور تلك العين، والناظر فيها، والظاهر فيها، والجامع لهَا.