ثم قال الشيخ رضي الله عنه : (طس، حمعسق، مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ، حم، حم، حم، حم، حم، حم، حم، حُم الآمر، وَجَاءَ النَّصْرُ، فَعَلَيْنَا لَا يُنْصَرُون) .
قلت : هذه الرموز للتبرك، وعل الوجه الذي تقدم في ( كهيعص ) و ( يس ) من الإشارة والتنبيه ان شاء الله، فالطاء للطهارة، والسين للسلامة، والقاف للقدرة، لأن سورة النمل قد أفادت كل قصصها طهارة المؤمنين وسلامتهم، وكذا كل ما ذكر فيها :
- فأول ذلك طهارة موسى عليه السلام وسلامته من فرعون وقومه .
-وسلامة سليمان وداود عليهما السلام في ملكهما من كل نقص، وظلم، وقصور، وتقصير.
- ثم سلامة الهدهد وطهارته من المخالفة فيما هو به .
- ثم سلامة بلقيس وطهارتها بالإسلام .
- وسلامة جند سليمان عليه السلام وطهارتهم في مقابلة قومها .
- ثم طهارة صالح عليه السلام وسلا مته من قومه .
- ثم طهارة هود عليه السلام وسلامته من فعل قومه وآذاهم .
- ثم طهارة عباد الله المخلصين , وسلام الله عليهم .
وأَجْرَ على ذلك بقية السورة، واعتبر ظهور سر الملك والرمز له بالميم في بقية الطواسيم، وسقوطها من هذه لظهور معناها بوجه جلي، وإنما يرمز للأمور الخفية حتى يكون سر المعنى ظاهرا من وجه الرمز، ومن ذلك إسقاطه البسملة من سورة التوبة، إذ إنما أسقطت فيها تنبيها على أنها اختصت من الرحمة ما لم يختص به غيرها، وهو تنزل الحق لعباده بالاشتراء، وتعريفهم بأحوال أهل الافتراء، حتى لا يقع مواقع الصد والامتراء .
وقِسْ على هذا، واعتبر في الحواميم بما هو معناها، واعتبر قوله : ( حمعسق ) لأن (حم ) للحماية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للصحابة يوم أحد : ( ليكن شعاركم حم لا ينصرون )، إذ آن الله يدافع عن اللذين آمنوا .
وترجمة ذلك في قولهم : " الله مولانا ولا مولى لكم " في مقابلة قولهم " لنا العزَّى ولا عَّزى لكم "، وقولهم : " الله أعلى وأجل " في مقابلة قول قائلهم : " أعلى هبل ".
وقوله : ( عسق ) إشارة لإسمه العليم، السميع، القيوم، فتحصل العناية بالحماية، والسلامة، والقيام في الامور، إذ الحماية مرجوة بعلمه، وتسليمه، وقدرته بالحماية من حضرة الأفعال .
وما ذكر في العين، والسين، والقاف من معاني الصفات، وهما بحران جاريان في المخلوقات، ممتزجان في ظهور الأثر، غير ممتزجين بالحقيقة، والخبر بينهما برزخ هو الفعل والانفعال .
( لا يبغيان ) أي يدخل معناهما في بساط الجلال والجمال، بينهما برزخ لا يبغيان، أي لا يبغي واحد منهما على الأخير فينفيه او ينافيه .