آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح الحكم الغوثية : مَا وَصَلَ إِلَى صَرِيحِ الحُرِيَّةِ مَنْ عَلَى نَفْسِهِ بَقِيَّةٌ.

وجود النفس مع الحرية ضدان لا يجتمعان ، والقليل من وجود النفس كثير، فهو سواد في بياض، بقيتها سمٌّ قاتل، وداء مهلك عضال، فكلما غفل الإنسان عليها رجعت لعادتها، والحرية لا تصح للعارف إلا بعد تخلصه من شرها، فتصير تابعة لا متبوعة، لقوله عليه الصلاة والسلام : (لا يؤمن أحدكم...) الخ الحديث. وهذا معيار صحيح لحرية الشخص من رقية نفسه.

ثم اعلم أن النفس لها حرية في نفسها قبل دخولها في هذا الهيكل الجسماني، استولت على الجوارح، وادعت الاستقلال الكلي، وصارت تتصرف في الكواسب الظاهرة والباطنة بما تشتهيه لنفسها، دون أن تلاحظ مرضاة الله، فصارت النسبة الإنسانية التي هي مأخودة من جسم وروح في تشويش، ومعيشة ضنكا، حيث علمت أن النفس فسقت عن أمر ربها، وأنها انفردت بسلطانها، فبقيت تلك النسبة متحيزة، خصوصا لِمَا تعلم من سطوة النفس وقوة سلطانها، ونعت استبدادها، وإذا بالأمر نزل من رب العالمين بمخالفتها ومحاربتها، وإن تعدل كل عدل لا يُؤخد منها. ونادى لسان حال النسبة الإنسانية :

ألا فالنفس مالت لتدبير نفسها * فسقت عن أمر الرب نقضت عهودها

ثم أخدت كل حقيقة تميل لحقيقتها، وقالوا : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. فقامت رؤساء أجناد الهيكل الجسماني، كالعقل وأعوانه، إغارة على النسبة الإنسانية أن تستولي عليها تلك الباغية، ونزل الأمر من الله فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ. ووعدهم الله بالنصر مهما خرجوا من طاعتها، فانقسم ملك الإنسان في نفسه، وصار واحدا في اثنين، وتباين الندان، صار كل يميل لمقتضاه، ومن أجل هذا كان الإنسان لا يأمن وجود النفس، ما دامت لها بقية، إلا إذا رجعت إلى ربها راضية مرضية.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية