يقول والله أعلم : والشيخ الذي هو أهل للاقتداء به يطلبه المريد بعد تحصيل مقام التوبة وأهليته للاقتداء به، هو يكون متبعًا للسنّة متمكِّنًا ذو قوّة في المعرفة، مُحصِّلًا للسلوك والجذبِ معًا، ولا يكتفي بأحدهما عن الآخر، على أنّ الذي تقدَّمت جذبته على سلوكه أعلا عند الأكثر، وعليه صاحب العوارف، وقد تكلم في ذلك بما لا مزيد عليه فطالعه إن شئتَ.
وقال الشيخ أبو عثمان سعد الدين سعيد الفرغاني رضي الله عنه : الذي تقدّم سلوكه على جذبته مع أنهما في جواز الاقتداء بهما وبلوغهما مرتبة التلوي في التمكين وتحقيقهما بالكمال والخلافة ونحو ذلك سواء، لكن الأول أمكن وأعلا لكون عبوره على المقامات والتحقق بها على بصيرة وبيِّنَةٍ من ربِّه.
وأمّا السالك الذي تحقّق بالمقامات أكثرها ولم تداركه عناية الجذبة لبقية كانت فيه باقية من أحكام نفسه وآثار خلقيته ، فهو غير مؤهل للمشيخة والمرادية والاقتداء به ؛ لأنه بعد عبد نفسه ، فإن المكاتب عبد ما بقي عليه أدنى من درهم والعبد لا يصلح للتصريف إذا لم يكن عبدا محضا للمصرف وواهب التصرّف .
وأمّا المجذوب الذي ما تفرّغ من الاشتغال بحاله في مجذوبيته إلى الرجوع من عالم الحقّ الذي هو عالم القدرة وارتفاع الوسائط وخرق حجب الأسباب إلى عالم الخلق الذي هو عالم الحكمة وتحقيق الوسائط والأسباب إلى الاشتغال بالسلوك والتحقّق بالمقامات بوسايط شيخ مرشد أو بلا واسطة ، فهو أيضا غير مؤهل للمشيخة والاقتداء به لاشتغاله بحاله عن حال غيره وعدم تحقّقه بالمقامات .