واعلم أن سلوك الطريق لمريد الكشف والتحقيق، لا يكون من غير إلزام الطاعة والانقياد لشيخ محقق مرشد، على الوقف المتقدم؛ لأن الطريق عويص وأدنى زوال يقع على المحجة يؤدي إلى مواضع في غاية البعد عن المقصود.
قال الشيخ أبو الحسن الششتري رضي الله عنه :(ولا بد ان يتحكم لمن يأمره وينهاه، ويبصره فإن الطريق عويص، قليل خطاره، كثير قطاعه، وقد يظن السالك أنه على جادته، وهو قد ولى ظهره لموضع توجهه منه، فإنه إذا خرج منه أنملة فقد خرج وانقطع، وانصرف سيره على أشعة تلك الأنملة، فإنه طريق دقيق، ونفس متصرفة في البدن، وهي الراحلة عنه، وعادة مألوفة، وشيطان هذا الطريق فقيه بمقاماته ونوازله).
قال أبو عمر الزَجَّاج : (لو أن رجلًا كشف له عن الغيب، ولا يكون له أستاذ لا يجيء منه شيء).
وقال إبراهيم بن شيبان رحمه الله : (مَن لم يكن له أستاذ فهو بطّال).
وقال أبو علي الثقفي رضي الله عنه : (لو أن رجلاً جمع العلوم كلها، وصحب طوائف الناس، لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة، من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح، ومن لا يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوبَ أعماله ورُعونات نفسه، لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات.).
وقال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه : (مَن لم يأخد الأدب من المتأدبين أفسد من يتبعه).
قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : (كل من لا يكون له في هذا الطريق شيخ لا يفرح به). ولو كان وافر العقل منقاد النفس، واقتصر على ما يلقى إليه شيخ التعليم فقط، فلا يكمل كمال من تقيد بالشيخ المربي لأن النفس أبدًا كثيفة الحجاب عظيمة الإشراك، فلا بد من بقاء شيء من الرعونات فيها، ولا يزول عنها ذلك، بالكلية، إلا بالانقياد للغير والدخول تحت الحكم والقهر، - حسبما ذكره الشيخ أبو عبد الله محمد بن عباد رضي الله عنه - وكذلك لو كان سبقت إليه من الله عناية وأخذه الحق إليه، وجذبه إلى حضرته، لا يؤهل للمشيخة، ولو بلغ ما بلغ.
قال الشيخ أبو الفضل تاج الدين أحمد بن عطاء الله رضي الله عنه في لطائفه : (وكل لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الإتباع ويكشف له عن قلبه القناع، فهو في هذا الشأن لقيط لا أب له، دعي لا نسب له). فإن كان له نور فالغالب عليه غلبة الحال، والغالب عليه وقوفه مع ما يرد عليه من الله إليه، لم ترمه سياسة التأديب والتهديب، ولم يقده زمام التربية والتدريب. وقال الشيخ أبو عثمان سعيد الفرغاني رحمه الله : (المجذوب المتدارَك الراجعُ من عالَم الحق إلى عالَم الخلق، لا يكمل ولا يصلح الاقتداء به إن لم يكن له مراد مرشد يهديه إلى فائق المقامات وإن كان على بيِّنة من ربه وبصيرة في سلوكه فإن في المقامات الإسلامية والإيمانية دقائق لا تُدرك إلا من حيث الخلقيّة، والاطلاع عليها متوقف على اطلاع من أُطلع عليها بنظر خلقيته فلا يكتفي بالبينة الحقيقية التي للمجذوب فكان محتاجًا إلى المرشد).
وكلام الشيوخ في الحض على الشيخ الرباني والتحذير من ضد ذلك كثير كما هو مسطَّر في كتبهم، وقد قال في العوارف المقصود الكلي هو الصحبة وبالصحبة يُرجى للمريد خير.