وأما الضحك : فهو من الخصال المميتة للقلب، ولذلك لم يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه كان يبتسم، قال جرير : (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَقَدْ تَبَسَّمَ). فالتبسم مقبول، محمود عند الله ورسوله وعند الناس، والضحك يميت القلب، فلا يناسب السالك.
وأَمَّا الأَمَل والحِرْص : فهما من الخصال القبيحة، والاتصاف بهما من شأن المبعودين عن حضرة ذي الجلال.
وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : مرَّ بنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا وأُمِّي نُطَيِّنُ شيئًا فَقَالَ : «مَا هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ قُلْتُ : شَيْءٌ نُصْلِحُهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ». يعني الموت أقرب منه.
وأما سوء الخلق : فإنه من الطباع المذمومة عند الله والناس، وحسن الخلق محمود عند الله والناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا حَسَن الخُلُقِ».
وكان صلى الله عليه وسلم يقول : «اللَّهُمَّ حَسِّنْ خُلْقِي وَخَلُقِي».
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إِنَّ اللهَ حَفَّ الإِسْلَامَ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنَ الأَفْعَالِ»، ومن ذلك حسن المعاشرة، مع من أنت ملتزم بمعاشرته، وكرم الطبيعة، ولين الجانب، وبذل المعروف وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وعيادة المريض المسلم، برًّا كان أو فاجرًا.
وتوقير ذي الشيبة المسلم، وحسن الجوار لمن جاورت، مسلما كان أو كافرًا، والعفو عن المسيء، وكظم الغيظ، والإصلاح، والجود، والكرم، والسماح، والابتداء بالسلام، والعفو عن الناس.
وأذهب الإسلام اللهو، والباطل، والغنى والمعارف كلها، وكل ذي وتر، والبخل والشح، والطيرة والكذب، والغيبة والنميمة والجفاء، والمكر والخديعة، وسوء ذات البين، وقطيعة الأرحام، وسوء الخلق، والتكبر والاحتيال، والحسد والحقد، والمزاح والفحش، والظلم والبغي، والعداوة، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم قال أنس رضى الله عنه : (لم يدع صلى الله عليه وسلم نصيحة جميلة إلا دعانا إليها وأمرنا بها، ولم يدع غشًّا أو عيبًا إلا وحذرنا منه ونهانا عنه). ويغني عن هذا كله قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.[النحل:90]
واعلم أن ما ذكرناه من الأوصاف المذمومة هو بعض القبائح التي ينطوي عليها الإنسان، وأمّا ذكر جميعها فلا يمكن لكن من سلك الطريق على ما سنُبًيِّنُهُ في الأبواب الآتية خَلُصَ من جميع الرذائل والآفات الباطنة والظاهرة، لأن السالك الصادق في سلوكه يقطعها من أصلها، فلا يبقى لها أثر أصلًا، ويستعين بالعلاجات التي نذكرها إن شاء الله تعالى.
وأما من أراد أن يَخلُص منها بغير سلوك الطريق المذكور، فقد طلب المُحال، ولذلك ترى الأبرار وإن سعوا في الخلاص من صفة من الصفات، وتيسر لهم ذلك، وقعوا في صفة أخرى، وخصلة أقبح من الأولى، وذلك أنهم لم يسلكوا طريق المقربين، المنجي من جميع الآفات، فهم على خطر وإن أخلصوا، لقوله صلى الله عليه وسلم : «المُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ».
وإذا عرفت هذا وعرفت فائدة سلوك طريق المقربين، وهذا الذي ذُكر أولى فوائده، وأما الفائدة المقصودة بالذات من هذا الطريق فهي : الوصال إلى منازل القرب من حضرات الرب والتجليات الأسمائية والصفاتية، والخلافة الكبرى، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.