وَلَمّا كَانَ حُبُّ اللهِ إيَّانا لَا لِنفسِهِ نبَّهنَا عَلى معَايِبِنَا، وأَظْهَرَ لَنا نَقائصِنا، ودلَّنا عَلى مَكارِمِ الأَخلَاقِ، ومَحامِدِ الأفعَالِ، وَأَوضَحَ لنَا مَناهِجِنا، ورفَعَ لنَا مَعارِجَهَا، ولمَّا أحْبَبْناهُ لأنفُسِنَا وَلمْ نَتَمكَّنْ في الحقِيقَةِ أنْ نُحبَّهُ لَهُ تَعالَى عَنْ ذلكَ، لِهَذا رَضِينَا بِما يَصدُرُ مِنهُ مِمَّا لا يُوافِقُ أَغرَاضَنا، وتَمُجُّهُ أَنفُسَنا، وتَكْرَهُهُ طِبَاعُنا، والسَّعيدُ هُوَ الَّذي يَرْضى بِذلِكَ مِنهُ وَمِن سِواهُ يَضْجَرُ وَيَتسَخَّطُ، فنسألُ الله العَافِيَة لِي ولَكَ وَلِلمُسلِمين.
وقَد فُزْتَ يَا أخِي جَعلَكَ اللهُ وَإِيَّايَ مِنَ الفَائزِينَ فِي زَمانِكَ هذَا بخِلالٍ لمْ أَقدرْ أن أرَاهَا فِي غَيرِكَ، مِنهَا : مَعرِفَتكَ بِمَرتَبةِ العِلْمِ وَأَهلِهِ، وَعَدَمِ تَعرُّجِكَ علَى الكَرامَاتِ والأَحوَالِ.
وَمِنهَا : انْقِيادِكَ لِلْحَقِّ وَتَواضُعِكَ لَهُ، وَنُزُولِكَ إِلَيهِ عِندَ مَنْ وَجَدتَهُ، سَواءً كَانَ مِمَّنْ تَلْحَظُهُ العُيُونُ أَو لَا يُؤْبَهُ لَهُ، ولَمْ تَلْحَظْ مَنْزِلَتَكَ الدُّنْيَوِيَّة مِن تَعْظيمِ النَّاسِ لَكَ وتَقبِيلِهِمْ يَدَكَ وإتْيَانِ السَّلَاطينِ إلَى بَابِكَ، وَهذَا غَايَةُ الإِنْصَافِ ثَبَّتَكَ اللهُ.
وَمِنهَا : قَولُكَ فِيمَا لَا تَعلَمْ لَا أَعْلَم وَفِيمَا تَعلَم، تُحِبُّ أنْ تَسْمَعَهُ مِن غَيرِكَ، فقَد جُزْتَ يَا وَلِيِّي بِهذِهِ الخِلَالِ الَّتي تَتَطايَرُ دُنَهَا رِقَابُ الرِّجالِ، المَقام الَّذي لَا يُغَيِّرُهُ الأحَوَالُ، ولَا يَزيدُهُ حُسْنًا وَوَضَاءَة رَواتبُ الأعمالِ.
ثمَّ بَحثُكَ الَّذي لَمْ أَرَهُ مِنْ غَيرِكَ، في معرفة الإمامِ والزَّمانِ، واعْتِقادِكَ أنَّهُ مِن فُرُضِ الأَعْيَانِ مِن أَعجَبِ مَا سَمِعَتْهُ الآذانُ وتَسَامَرَ بهِ الخِلَّانُ وسَارتْ بهِ الرُّكبَانُ.
ثمَّ مَا وهَبَكَ اللهُ مِنَ الصَّوْلَةِ والقُوَّة عَلى الفَقَهاءِ بِدَلائِلِ المَكارِمِ والفُتُوَّةِ الجارِيَة معَ بَراهِينِ النُّبُوَّةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ زَمانِكَ اليَومَ يَا وَلِيِّي وكَما قَالَ الحَكيم أَبُو عَبدِ اللهِ محمَّد بْنُ عَليّ التِّرْمِدِيُّ : "ضَعْفٌ ظَاهِرٌ وَدَعْوَى عَرِيضَةٌ".