وعشرة أمّهات مواجب الدِّيانات : توحيدك لا يخالطهُ شِركٌ، وعقلٌ لا يغيِّره جهلٌ، وعملٌ لا بعده رياءٌ، وطاعةُ لا يشوبُها معصيةٌ، وصدقٌ لا ينقضُه كذبٌ، وحلمٌ لا يوجبهُ عجزٌ، وصبرٌ لا يغدرهُ قنطٌ، ورضاءٌ لا يحجبهُ سخطٌ، وتسليمٌ لا يستدعيهِ صبرٌ.
وعشرةٌ لا يعمُّ ركبها رحمةٌ إلَّا إن تاب أو تاب اللهُ عليه : مَنْ خدلَ الحقّ ونصرَ الباطل، وزاد ذُلّ المظلوم، وعزَّ الظّالم، واستخفَّ المعاصي، وتجري عليها، ورغب في الشر وساعد أهلُهُ، وتجبَّرَ على الضعيف، وسعا في فساد أحوال الناس.
وعشرة تَدُل على هجوم يوم الميقات : إذا فسدت من الناس الديانات، وارتفعت من بينهم الأمانات، وقلَّت مهم الصدقات، وقصَّروا عن مواجب العبادات، وتهاونوا في القيام بالمفترضات، وزهدوا في مساكن العبادات، وصار زعيم القوم أرذلهم وسيِّدُ القبيلة أفسقهم، وكَسِدَ العلم وأهلُه بينهُم، وعزَّة الدنيا عندهم، وصارت الأخيار تُكرم الأشرار مخافة من شرِّهم.
فهنالك تخرج الآيات وتظهر العلامات، فلا شكّ في ذلك أيُّها الأخ ولا ترتاب.
عشرة إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ضللت، وإن تقصد إلى الباب تهتدي، وعشرة من كانت فيه كَمُلت عبوديَّتُهُ :علمٌ يدلُّه على العمل، وعقل يصدُّه عن الهوى، وورعٌ يزجرهُ عن المحارم، وخُلُقٌ يداري به الناس، وحياءٌ يمنعهُ عن القبيح،، وصمتٌ يحجبُهُ عن الفضول، وقناعة تمنعهُ عمَّا في أيادي النَّاس، وإيمان يهديه إلى الرحمن، وبصيرةٌ تطلعُهُ على أمور الآخرة، وتواضعٌ يدلُّهُ على الحقّ تعالى.
واعلم أيّها الطالب لحميد المَطالب، أنّ كما لا ينفع الدواء للدَّاء إلَّا بتمام الحميَّة، وإن اتَّسَعت آلاته وعظمت مفرداته، كذلك لا ينفع العلوم من المواعظ، ولا تخلُصُ الأعمال والعبد منهمك في شهوات الدنيا الفانية، وغير مستيقظٍ على مداخل آفاتها، وحصول تبعاتها، فإنّ لهَا آفاتٌ مدروسة، تحت مداخل الشهوات، وقلَّ من يسلم مها إلَّا العارفون لَهَا، والمُستيقظون عليها، الخائفون منها، وقد يجب على كلِّ عاقلٍ التَّحَرُّز من آفاتها، والترَقُّب لتبعاتها، وأن يوضح لمن يعلم ذلك البيان، وينشر ما خفيَ من ذلك ويصوغُهُ تصويغًا تامًّا، لكون ذلك سببًا مُفضي إلى السلامة منها على كل حال، ولا سبيل إلى وجوب الأعمال وجريانها إلَّا بالعلم بها وجدهُ العلم معرفة صورة المعلوم، على ما هو فقد وجب مع ذلك على كل أحد طلب العلم لِما لَهُ وما عليه دنيا ودين.
واعلم أيُّها الطالب، الرّاغب في حميد المطالب، أنَّ الله تعالى أوجد الدُّنيا على ما هيَ عليه حلوة المذاق، سيّغة المظهر، إرادة منه، وأوسع النهي عنها والتحذير منها لا أمر إرادة. أحسن الله تعالى لنا الدخول والخلاص منها، بمنِّهِ وكرمهِ.