آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الخطاب الرّوحي في الأدب الصوفي -40


جمالية الخطاب الصّوفي :


وقبل الخوض في الخطاب الصوفي، يحسن بنا أن نقف على مفهوم الجمال، لما له من علاقة حميمة في فهم حيثيات التجربة الصوفية، لأن نزعة التأثر والدهشة والولع بتفسير أسباب الظواهر الحسية والمعنوية المحيطة بنا في عالم الحس وعالم الغيب فطرية في الإنسان، وجعل الله الإنسان بعقله وبالقوى الحديثة الإلهامية والقلبية يفتش عن أسرار تلك التأثيرات النفسية، التي تحدثها هذه الظواهر، فربنا جميل يحب الجمال، ويدعونا لتتبع آثاره للوصول إلى الحقائق الروحية وتذوق نشوتها، وتعظيم وتنزيه الخالق.

الجمال: لغة : إن النظرة المعجمية للجمال ترتكز في أغلبها على أنه الحُسنُ و الروعة في المحسوسات و المجردات ، إذ نجد صاحب لسان العرب يذهب إلى أن : "الجَمال مصدر الجَميل و الفعل جَمُل ، و قوله عز وجل :﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾، وقال تعالى:(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ ،وقال أيضاً: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾، وقوله عز وجل: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾، ويقول في آية أخرى: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾، كما ورد في قوله تعالى:﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ ، ويقول أيضاً: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾،ويقول تعالى شأنه: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾.

ونجد في كتاب فروق اللغة لأبي هلال العسكري: «إن الجمال هو ما يشتهر ويرتفع به الإنسان من الأفعال والأخلاق ومن كثرة المال والجسم» ، أي بهاء وحسن، وقد جَمُل الرجُل بالضم جَمالاً فهو ِجَميل والجُمَّال بالضّم والتّشديد أجمل من الجَميل وجَمَّله أي زيَّنه والتَّجَمُّل تَكَلُّف الجَميل وامرأة جَمْلاء وجميلة وهو أحد ما جاءَ من فَعْلاء لا أفْعَل لها قال وَهَبْتُه من أَمَةٍ سوداء ليست ِبحسناء ولا جَمْلاء.

الفصل الثّاني: الأدب الصّوفي، وجمالية شعر الوجدان

وفي حديث ا ِلإسراِء ثم عَرَضَت له امرأة جمْلاء أي ِجميلة مليحة ولا أفعل لها من لفظها كديمة هَطْلاء وفي الحديث جاء بناقة حَسْناء جمْلاء قال ابن الأثير: والجمال يقع على الصُّوَر والمعاني ومنه الحديث : "إِن الله ِجميل يحب الجمال" أي حسن الأفعال كامل الأوصاف ...، والجمال في الأصل للأفعال والأخلاق والأحوال الظاهرة ثم أستعمل في الصور، وأصل الجمال في العربية العظم، ومنه قيل الجملة لأنّها أعظم من التفاريق، والجمل الحبل الغليظ والجمل سمي جمل لعظم خلقته، ومنه قيل للشحم جميل لعظم نفعه".

وجاء الخبر نفسه في أساس البلاغة للزمخشري" أن جمل فلان يعامل الناس بالجميل، وجامل صاحبه مجاملة، وعليك بالمداراة والمجاملة مع الناس، ونقول: إذا لم يجمِّلك مالك، لمْ يُجِدْ عليك جمالك، وأجمل في الطلب إذا لم يحرض، وإذا أصبت بنائبة فتجمل أي اصبر. وجمل الشحم أذابه واجتمل وتجمّل: أكل الجميل وهو الودك، وناقة جمالية: في خلق الجمل ألا ترى إلى قوله: كأنّها جمل وهم ضخم ورجل ُجماليُّ: فطيم الخلق ضخم".

أما في كتاب ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة فقد وردت كلمة "جمل" و جمع أجمال، و جامل وجُملٌ بالضم وِجمال - بالكسر – و جمالة - وجميلت مثلثي و جمائل ، و أجامل و الجامل: القطيع منها بِرعاته وأربابه : أو القطيع من النوق ... والجميل: الشحم الذائب، واستجمل البعير: صار جمل، و الجمالة مشددة: أصحابها و ناقة جُمالية بالضم : وثيقة.

والجمال: الحسن في الخلق والخلق والجملاء: الجميلة التامة الجسم من كل حيوان وتجمّل: تزين - وأكل الشحم المذاب.

إذن فمدار الجمال معجميا سواء في لسان العرب أو أساس البلاغة أو ترتيب قاموس المحيط وغيره على أنه الحسن في المدركات بعين البصر، أو المدركات بعين البصيرة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية