آفة النسيان :
ليس المقصود بالنسيان في هذا المجال، ما اعتبر من خصائص الإنسان، أو ما ارتبط بذاكرته وعقله، وإنما يراد به فقدان الذاكرة الروحية المستحضرة لعظمة الله ووحدانيته، أو هو ذهاب صفاء الفطرة المولودة مع الإنسان، قال تعالى : {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[الحشر:19]. ومفهوم الآية يفيد أنهم لو ذكروا الله لذكرهم بأنفسهم وعرَّفهم إيّاها، يقول ابن القيم معلقًا على هذه الآية الكريمة : "فإن نسيان الربّ سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها.. فإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بدّ.. وهذا هو الذي صار أمره كله فرطا، فانفرط عليه أمره وضاعت مصالحه، وأحاطت به أسباب القطوع والخيبة والهلاك ولا سبيل إلى الآمان من ذلك إلَّا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به، وأن لا يزال اللسان رطبًا به".
إضافة إلى مخاطر هذه الآفة المذكورة في هذا الكلام، فإن النسيان يسبب في الإعراض عن الله أو آياته حسب نوعية هذا الإعراض ودرجته.
آفة الإعراض :
الإعراضُ هو الالتفات عن قبلة الحق في الظاهر والباطن، وهو آفة خطيرة تنتج عن ترك الذكر وعدم الالتزام به كإطار للرسالة باعتبارها ذكرًا أو تذكرًا، أو كعمل خاص بجوارح الوجود والكينونة، ولذا فهناك نوعان من الإعراض :
1 - إعراض كلي : وهو إقفال القلب وإلغائه عن خطاب الحق وهديه، قال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}. [طه: 124- 126]
2 - إعراض جزئي : وهو ترك الذكر قلباً وقالبًا ولسانًا، فهو امتداد للأول، إلَّا أنه يتميز عنه بكونه اعترافًا بمضمون الذكر كرسالة وككتاب مع عدم القيام به كعمل محقق للتجاوب مع مفهومه العام، يقول ابن القيم : "وإعراضه عن ذكره يتناول إعراضه عن الذكر الذي أنزله في كتابه وهو المراد بتناول إعراضه عن أن يذكر ربه بكتابه وأسمائه وصفاته وأوامره وآلائه ونعمه.. فإن الذكر في الآية إما مصدر مضاف إلى الفعل أو مضاف إضافة الأسماء المحضة، أعرض عن كتابي ولم يتله ولم يتدبره".
ومن هنا فأضرار الإعراض بنوعيه هي :
أ - عمى البصيرة وانطماسها في الدنيا والآخرة : {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.
ب - ضنك المعيشة : ولعل القلق اليومي الذي أصبح يعانيه إنْسانُ اليوم من أبناء ديار المسلمين وغيرهم من المعرصين مطلقًا من دين الله، وكذا الاضطراب النفسي وحالات القلق المزمن والفزع وعبثية القصد توضح المفهوم الاجتماعي للضنك، وتعطي لمعنى الذكر بمفهوميه ترياقًا مداويًا لسموم العصر وحجب المعاناة والمقاساة، وتعطي للإعراض عن الذكر مفهوم الشقاء الأبدي الذي يزيل بساط الاستقرار والطمأنينة من تحت قدمي الإنسان الغافل، يقول ابن القيم متحدِّثًا عن ضنك الإعراض : (فإن حياته ومعيشته لا تكون إلا مضيقة عليه منكدة معذبًا فيها، والضيق : الضنك والشدة والبلاء). إلى أن يقول : (فإنه يكون في في ضنك الدارين وهو شدة وجهد وضيق، وفي الآخرة يُنسى في العذاب وهذا عكس أهل السعادة والفلاح).
ومن الإعراض عن الذكر يتولّد خسران المرء في الدنيا والآخرة.
ماشاء الله
ردحذف