آخر الأخبار

جاري التحميل ...

البسطامي... سلطان العارفين

 

د.علي كرزازي

*البسطامي... سلطان العارفين*

" لا يعرف نفسه من صحبته شهوته ".

                                                     

أبرز وجوه المتصوفين الذين اشتهروا بالشطح، والشطح كما عرفه السرّاج في اللمع: "عبارة مستغربة في وصف وجد فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته ".هو أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي الأكبر ولد سنة 188هـ وتوفي سنة 261هـ كان جدّه مجوسيا فأسلم، نشأ في بيئة معروفة بالتقوى والورع، فأبوه كان رجلا صالحا حريصا على مرضاة الله في شؤون دينه ودنياه متحريا الحلال في مطعمه وملبسه وشرابه ومسكنه، وكذلك الشأن بالنسبة لأمّه التي انمازت حياتها بالتقوى والصلاح، وكان لها كبير أثر في توجيه ابنها وتربيته، يقول البسطامي عن علاقته بأمه:

«كنت أظن في برّي لأمي أني لا أقوم لهوى نفسي بل لتعظيم الشارع حيث أمر ببرّها، فكنت أجد في نفسي لذة عظيمة أتخيل أنها من تعظيم الحق عندي لا من موافقة نفسي». بل إن البسطامي زاد عن ذلك بأن اعتبر أن المرتبة التي حازها في مقامات التصوف، إنما هي ثمرة بره بأمّه «قيل له مرة: بم بلغت ما بلغت؟ قال: أنتم تقولون ما تقولون، وإنما أرى ذلك من رضا الأم ». وينضاف إلى برّه لأمه أنه كانت له أخوات عابدات صالحات، ولا ضير إذن أن يكون لتنشئته وبيئته إسهام كبير في تكوين شخصيته الصوفية وسمته الأخلاقي والمعرفي.

ومن أبرز مشايخه نذكر إسماعيل السدي وجعفر الصادق، اللذين روى عنهما بعد أن استظهر القرآن كله. وعن مساره التعليمي يقول البسطامي: «عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لبقيت، واختلاف العلماء رحمة إلا في التجريد» (الرسالة القشيرية).

لم يحد البسطامي عن جادة المتصوفة في زهدهم في الدنيا وانصرافهم عن ملذاتها، إيمانا منه بأن سبيل المعرفة لا يدرك إلا من خلال التقشف والزهد، قيل له: بأي شيء وصلت إلى المعرفة؟ فقال: ببطن جائع وبدن عار. غير أن للبسطامي شطحات غريبة لم تستسغها ذائقة بعض الفقهاء الذين رموه بالإلحاد والكفر والهرطقة، من قبيل قوله: "سبحاني ما أعظم شأني" و"ما في الجبة إلا الله"، "أراد موسى –عليه السلام- أن يرى الله – تعالى- وأنا ما أردت أن أرى الله، هو أراد أن يراني". "كنت لي مرآة، فصرت أنا المرآة"..الخ.

 وبالمقابل حاول بعض المتصوفة قديما وبعض الباحثين حديثا، أن يجدوا مسوغات وتخريجات لمثل هذه الشطحات، فالذهبي مثلا يقول: "وهذا الشطح إن صح عنه، فقد يكون قاله في حالة سكره ". أما "السلمي" في "تاريخ الصوفية" فيقول: "ويحكى عنه في الشطح أشياء، منها ما لا يصح، أو يكون مقولا عليه، وكان يرجع إلى أحوال سنية، ثم ساق بإسناد له عن أبي يزيد قال: من نظر إلى شاهدي بعين الاضطراب، وإلى أوقاتي بعين الاغتراب وإلى أحوالي بعين الاستدراج، وإلى كلامي بعين الافتراء، وإلى عباراتي بعين الاجتراء، وإلى نفسي بعين الازدراء، فقد أخطأ النظر إلي". في حين يرى محمد الراشد في "نظرية الحب والاتحاد في التصوف الإسلامي" أن البسطامي: "رجل سيطرت عليه رؤى وهواجس حتى وصل إلى ما وصل إليه، فتجاوز جنون العظمة وسقط في رحاب سيطرة الهواجس والأهواء ، لكن هذا كله لا يمنع أنه كان رجلا نقيّا تقيّا يخاف الله".

ومن الأقوال النفيسة التي تنسب للبسطامي:

-" إلهي لا تجعلني عالماً ولا زاهداً و لا متقرباً ، فإن أهَّلتني فأهلني لشويء من أشيائك".

- " العابد يعبده بالحال، والعارف الواصل يعبده في الحال".

- فَحُبِكَ فرَّضٌ كَيـف لِي بِأَدَائِـه ***  ولَسْتُ لِفرضٍ مَا حييت بتاركِ

- يقول: مررت بدير فيه راهبة فقلت لها : هل هنا مكان طاهر أصلي فيه ؟ فقالت :     طهر قلبك وصلّ حيث شئت."  وقوله:" من عرف الله بُهت ولم يتفرغ إلي الكلام. من عرف الله فإنه يزهد في كل شيء يشغله عنه ". رحم الله متصوفنا الجليل أبا يزيد.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية