اعلم أيها الفقير أن الحق جل جلاله قد جعل رجالاً في الوجود مفتاحاً لأسراره وأسباباً للوصول إلى حضرته حتى أن أحدهم لو نظر إليه من بلغ النهاية في الكثافة وصل من حينه إلى عالم اللطافة كما قال صلى الله عليه وسلم : (إن لله عبادا من نظر إليهم نظرةً سَعِدَ سعادةً لايشقى بعدها أبدا ). وهؤلاء هم أهل الله حقيقة المعالجون لأمراض القلوب الذين قد صار النظر إليهم مرهمًا يشفي القلوب جرح الصدود وألم الغفلة، فرؤيتهم وزيارتهم توجب كل خير لمن قصدهم وسعى نحو حماهم. فإذا ظفرت بالوصول إلى منهل الصفا فالتزم الأدب وعظّم الحرمة حتى تنال ما تطلب.
وقد كان شيخنا مولاي عبد الواحد الدباغ قدس الله سره يأمر أصحابه بالزيارة لأهل الله أحياءً وأمواتًا ويقول : "المشروط علينا إقامة الآداب مع ربِّ الأرباب في جميع المظاهر سيما مظاهر الشفا".
فما ورد من النهي عن الزيارة ليس هو على إطلاقه في حق المريد وليس هو على عمومه. وكان يقول إنَّ شيخه مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه كان مذهبه الأمر بالزيارة، وكان يحضُّ على زيارة الأكابر، كالشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش، وسيدي عبد الله التودي بفاس، وسيدي أبي بكر بن العربي المعافري، وسيدي أبي يعزى، وغير هؤلاء من الأكابر رضي الله عنهم. وكذلك نحن نقول بزيارة الأولياء أحياءً وأمواتًا مع حسن الآداب سيما إذا كان الولي من رجال الطريق فإنه تتأكد زيارته على طالب الوصول.
وقد قال الشيخ زروق حاكيا عن شيخه الحضرمي رضي الله عنهما أنه قال : رأى بعض الأكابر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله ما أدركناك حيًّا، نسألك عن أفضل الأعمال، فقال له صلى الله عليه وسلم : "أفضل الأعمال وقوفك بين يدي ولي من أولياء الله قدر حلب شاة، فقال له : يا رسول الله حيًّا كان أو ميِّتًا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : حيًّا كان أو ميِّتًا".
ومما يدلك على شرف الزيارة أنه صلى الله عليه وسلم خرج بأمر ربه زائرًا للبقيع ليلًا يستغفر لأهله ولو شاء يستغفر لهم في بيته لكان، لكن أراد الحق سبحانه أن يشرِّع الزيارة.
بغية السالك وإرشاد الهالك