آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ذكر الله وتحصيل الحضور


حتمية الذكر


إذا كان إهمال الذكر بسبب فقدان توازن الإيمان بحيث يصبح الإنسان عرضة لجراثيم البعد عن الله.

وإذا كانت آفات عدم الذكر أقل ما يقال عنها أنها حاجة للقلب عن وصول نور المذكور إليه، فإن حتمية الذكر تكون مؤكدة بشكل يرفع الالتباس عن كل مؤول أو باحث عن رخصة تأويل ليعطي لنفسه "فرجة" الهوى أو "نسمة" العجز والكسل عن ترطيب اللسان بهذا العمل، إذ كم يحلو للبعض البحث عن حلول مجانية لأزمات الروح الخانقة التي تضرب أطنابها في سويداء القلب مسلمه ومعرضه، هذه الحلول التي يظهر للدارس لها أو للمحاول تطبيقها أنها محاولة تملص من أمر وارد سواء من حيث الخطاب المباشر الذي لا يحتمل التأويل أم من حيث مفهوم المخالفة المستنبط من طرح آفات ترك الذكر أو قتله، وإذا كان حتما على من تفهم أن جفاف اللسان والجنان عن ذكر الواحد المنان هو مرادف لمعنى الإبعاد والالتفات، أن يشمر على ساعد الجد وينهض لخدمة المولى بعمل سيتضح أنه ذروة سنام أعمال القرب من الله، ومصباح قلوب التوجه وأيضا سر حياة الكا\نات...

وإذا كانت حتمية الذكر ظهرت من خلال مفهوم المخالفة المطروح في الفصل السابق فسنحاول إبرازها من خلال الخطاب الشرعي المباشر وذلك من خلال ثلاثة محاور :

1 - حتمية الفعل : ويرادفها الوجوب في الاصطلاح الأصولي إذ أن النصوص الواردة في هذا المضمار يغلب عليها طابع الأمر، والأمر دال على الوجوب في القرآن الكريم إلا إذا كانت هناك قرينة تحرجه إلى الندب وغيره.

أ - صيغة الأمر : قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب41 - 44]والأمر هنا موجه للمؤمنين المحققين لمقام الإيمان ذوقًا وعقيدة، فمن باب أولى يتحتم على المسلمين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم القيام بهذا العمل، يقول الحافظ ابن كثير : (يقول الله تعالى آمرًا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تبارك وتعالى .. لما لهم في ذلك من جزيل الثواب وجزيل المآب).

وقد اتخد هذا الأمر بالذكر صورة مباشرة وصورة غير مباشرة في هذا النص إذ أمر الحق سبحانه وتعالى بالذكر صراحة في أول الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}وكان الأمر الواجب من خلال النص هذا هو الذكر الكثير لا الذكر وحده، ثم أمر به في شكل صيغة من صيغه وهي التسبيح (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) و"التسبيح من قبيل الذكر، ولكنه ذكره لفظيا لئلا تعتريك سآمة".

فكان التأكيد على وجوب الذكر واضحين بهاتين الصورتين، ثم زادت الآية الكريمة في التأكيد على هذا المعنى في قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} قال ابن كثير : "فيه تهييج إلى الذكر أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه".

ومما يدل على وجوب الذكر من خلال هذا النص ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما : (إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبًا على تركه فقال اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة والسر). وفي صيغة الأمر هاته تجد قوله تعالى : {فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة:152] فأمر تعالى بذكره ورغب فيه بذكره سبحانه تعالى لذاكره وهو شرف عظيم اختص به هذا العبد، وأنى له وهو الفقيرالضعيف أن يستطيع شكر هذه النعمة التي منَّ الله بها عليه وهي أن يذكره سبحانه وتعالى.

وفي سياق الأمر هذا خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من آية بالذكر الكثير، قال تعالى : {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[آل عمران:21] وقال تعالى : {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}[المزمل:8 وقال أيضا : {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}[الأعراف:205] فهذه الآيات كلها أمرت الرسول عليه السلام بالذكر الكثير إضافة إلى آيات عديدة أمرته عليه السلام بالتسبيح وذكر اسم الله، وهذا الأمر ينصرف إلى أمته المقتدية بهديه صلى الله عليه وسلم، فيصبح الذكر في حقها واجبًا لا مناص لها منه.

    

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية