إن الكلام عن علم الجمال يعني أيضا الحديث عن موقف الإنسانية من خالقها، ومن ذاتها ومن الكون المحيط بها، فغاية علم الجمال هو إعادة بناء العلاقات بناءً جماليا، ينسجم مع الجمال المطلق، وحينها يكون علم الجمال مجموعة الأدوات المعرفية التي تمكن صاحبها من دراسة المواقف التي يتخذها الإنسان من مظاهر الكون والمجتمع في إطار العقيدة الدينية، ويعبر عنها في أشكال متعددة تمتد من سلوكه اليومي البسيط إلى أنواع الفنون في إطار المجتمع والتراث.
ويضيف الغزالي إلى بعد المنفعة بعدا آخر، إذ يرى أن « ... كل جمال محبوب عند مدرك الجمال وذلك لعين الجمال، لأن إدراك الجمال فيه عين اللذة، واللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها، ولا تظن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة فإن قضاء الشهوة لذة أخرى قد تحب الصور الجميلة لأجلها، وإدراك نفس الجمال أيضاً لذيذ فيجوز أن يكون محبوباً لذاته، وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوب لا ليشرب الماء وتؤكل الخضرة أو ينال منها حظ سوى نفس الرؤية؟ »،ولا شك أنه حين تقضى الحاجات المادية يتكون الإحساس بالجمال لذاته.
وإذا كان أفلاطون يرى في عالم المثل المعيار المطلق لكل جمال، فإن الرؤيا العربية الإسلامية تذهب إلى أن الله عز وجل هو مصدر كل جمال وحسن يقول أبو حيان التوحيدي في معرض حديثه عن صفات الله تعالى " ... هي من الحسن في غاية لا يجوز أن يكون فيها وفي درجتها شيء من المستحسنات؛ لأنّها هي سبب حسن كل حسن وهي التي تفيض بالحسن على غيرها، إذ كانت معدنه ومبدأه، وإنما نالت الأشياء كلها الحسن والجمال والبهاء منها وبها".
وينحو الغزالي نفس النحو حين يقول: «... بل كل حسن وجمال في العالم أدرك بالعقول والأبصار والأسماع وستائر الحواس من مبتدإ العالم إلى منقرضه ومن ذروة الثريا إلى منتهى الثرى فهو ذرة من خزائن قدرته ولمعة من أنوار حضرته.».
فالجمال إذا هو الجمال الإلهي، وهو من صفات الله الأزلية، والعالم كله كمرآة انعكس على صفحتها هذا الجمال السرمدي. وإذا اتجهنا إلى الدراسات الحديثة التي عنيت بالجمال نجد اتجاهات شتى وآراء متعددة، فويكلمان (Wikelman) يرى " أن الجمال صفة تطلق على كل ما يعطي لذة منزهة عن الغرض، فهو كالمياه الصافية المستقاة من عي صافية ، و هي تكون صالحة للشرب كلما كانت خالية من الطعم. "و قريب من هذا ما قاله شارل لالو (Charles Lalo) الجمال هو إشباع منزه عن لنشوة الغرض، هو لعب حر واتفاق لملكاتنا أي توافق بي خيالنا الحسي ، و بين عقلنا"، فالنشوة المنزة عن الغرض هي عين الجمال، و ثمة من يرى أن الجمال ينشأ من داخل المحسوسات أو المجردات ، إذ يعزف كانط (Kant) على هذا الوتر فنجده : " يلح على أن تشكل العمل الجمالي بقوانينه الداخلية الخالصة ، هو العامل الوحيد في الحكم عليه بالجمال والقبح، و عنده أن الجميل هو الذي يكون ممتعا بالضرورة وبصورة كلية و شاملة ، دون مفهوم، و هذه المتعة مقطوعة الصلة بأية فائدة مهما كانت"، بينما نجد من يجعل الشعور بالرضى هو الحكم بين الجمال و القبح نجد ذلك مثل عند وليام – ك ، م (William) فيرى : "أن الشعور بالرضى في حضرة الجمال هو شعور بالاتحاد و بالتهفاعل المتناغم بي الإحساس والعقل و هو التحرر الكامل من الضرورة العملية والنفعية". ويتفق معه هيوم (Hyoum) في ذلك إذ يرى " أن الجمال هو انتظام الأجزاء وتناسقها إما بفعل طبيعتها الأصلية أو بفعل التعود، أو بفعل الرغبة وبشكل يعطي لذة ورضا نفسيا".
وقريبا من ذلك يذهب رتشاردز (Richardz) بالقول : « إن الجمال تجربة أو حال في الجمهور و أنه ليس " شيئاً " غامضاً كامنا في العمل الفني نفسه».