قال الجلال الأسيوطي : (واعلم أنه ما كان كبير في عصرٍ قطّ إلا كان له عدوّ من السَّفلة إذ الأشراف لم تزل تبتلى بالأطراف). كما قيل :
وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ * فهي الشّهادة لي بأني كامل
فكان لأبينا آدم عليه السلام إبليس، وكان لنوح عليه السلام حام وغيره، وكان لداود عليه السلام جالوت، وكان لسليمان عليه السلام صخر، وكان لعيسى عليه السلام في مدّته الأولى نصّر وفي الثانية الدجّال،، وكان لإبراهيم عليه السلام نمرود، وكان لموسى عليه السلام فرعون، وهكذا إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكان له أبو جهل وغيره من المشركين بل كان المنافقون يؤذونه أشدّ الإيذاء حتى رُوي أنّ قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض المنافقين لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخدها،، فأنزل الله تعالى في براءة رسوله صلى الله عليه وسلم من الغلول :{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ}[آل عمران:161] وقال تعالى : {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[الفرقان:31]، وقال صلى الله عليه وسلم : (ما أُوذيَ أحَدٌ ما أُوذيتُ فِي اللهِ). وتكلّموا في جماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ونسبوهم إلى الرياء والنِّفاق، منهم عبد الله الزبير رضي الله تعالى عنهما كان كثير الخشوع في الصلاة، فكان بعضهم يقول إنه مرائي، فبينما هو ساجد إذ صبُّوا على رأسه ماءً حميمًا فزلع رأسه ووجهه وهو لا يشعر، فلما فرغ من صلاته قال : ما هذا ؟ فأخبروه، فقال : غفر الله لهم ما فعلوا، ومكث زمانًا يتألّم من رأسه ووجهه. وكان لابن عمر رضي الله عنهما عدوّ يعبث به كلّما مرّ عليه. وكان لابن عباس رضي الله عنهما نافع بن الأزرق فكان يؤذيه أشدّ الإيذاء ويقول إنه يفسر القرآن بغير علم. وكان لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه جهلة من جهال الكوفة فكانوا يؤذونه مع أنه مشهود له بالجنّة وشكوه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا لا يُحْسِنُ يُصَلِّي.
ولا يخفى ما قاسى أهل البيت المطهّر، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين من الأذى حتّى أنهم سبّوا على المنابر. ولا يخفى ما قاساه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه مع الخلفاء من الضرب والحبس حتى أنه توفي محبوسًا. وما قاساه الإمام مالك رضي الله عنه من الضرب والإيذاء حتى أنه استخفى خمسًا وعشرين سنة لا يخرج لجمعة ولا لجماعة. وما قاساه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه من أهل العراق ومن أهل مصر حتى أنهم وشوا به عند الخليفة هارون الرشيد فأشخصه من الحجاز إلى العراق. وما قاساه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من الحبس والضرب والإيذاء. وما قاساه الإمام البخاري رضي الله عنه حين أخرجوه من بخارى إلى خرتنك.
ونقل الثقاة أنّهم نفوا أبا يزيد البسطامي رحمه الله تعالى سبع مرّات من بلده بسطام لمّا أنكر عليه الحسين بن عيسى أمام ناحيته والمدرّس بها في علم الظاهر، فأخرجوه منها ولم يعد إليها إلا بعد موت الحسين المذكور، ثم بعد ذلك ألفوه الناس وعظموه وتبرّكوا به، ثم لم يزل يقوم له مُنكر بعد منكر وهو ينفي إلى أن استقرّ أمره على تعظيم الناس له والتبرّك به إلى وقتنا هذا.