قال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً }
عن معمر عن قتادة في قوله تعالى : ( فإن له معيشة ضنكا ) قال : الضنك : الضيق.
وإنما كان عيشُهُ ضيقًا لأن مجامع همته، ومطامح نظره مقصورة على أغراض الدنيا، وهو متهالك على ازديادها، وخائف من انتقاصها، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة، فإنَّ نور الإيمان يُوجب له القناعة، التي هي رأس الغنى وسبب الراحة، فيحيى حياة طيبة.
ومن اشتغل بذكر غير الله احتجب عن أنوار ذكره، ومن كان محجوبا عن أنوار الذكر كان محجوبا عن أنوار مشاهدة المذكور وله حياة غير طيبة ورزق غير هني، وأي عيش أضيق من عيش من كان محجوبا عن وصال الحق، ومن أقبل إلى الله أقبل الله إليه ومن أقبل الله إليه أقبل إليه كل شيء بالخدمة والمتابعة.
يقول ابن عربي : { ومن أعرض عن ذِكْري } بالتوجه إلى العالم السفلي بالميل النفسي، ضاقت معيشته لغلبة شحه وشدّة بخله، فإنّ المعرض عن جناب الحق ركدت نفسه وانجذبت إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياها، واشتدّ حرصه وكَلَبَه عليها ونهمه وشغفه بها لقوّة محبته إياها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية، فيشحّ بها عن نفسه وغيره، وكلما استكثر منها ازاد حرصه عليها وشحّه بها وذلك هو الضنك في المعيشة. ولهذا قال بعض الصوفية: لا يعرض أحد عن ذكر ربّه إلا أظلم عليه وتشوّش عليه رزقه. بخلاف الذاكر المتوجّه إليه فإنه ذو يقين منه وتوكل عليه في سعة من عيشه ورغد، ينفق ما يجد ويستغنى بربّه عما يفقد.
وقال جعفر في هذه الآية : لو عرفوني ما أعرضوا عني، ومن أعرض عني رددته إلى الإقبال على ما يليق به من الأجناس والأكوان.
قال الواسطي: ما كان ذلك ذكرى حتى أعرضوا عنه، بل كانت تلك أذكارهم، وذكري قد سبق لمن يذكرني على الحقيقة، فلا يكون له إعراض عني، ولا على غيري إقبال.