وقال بعضهم [في قوله "الله"]: الألف إشارة إلى الوحدانية واللام إشارة إلى محو الإشارة، واللام الثاني إشارة إلى محو المحو في كشف الهاء.وحُكي أن الشبلي قال في مجلس االجنيد في ولهه : الله فقال له الجنيد: يا أبا بكر الغيبة حرام، قيل معناه : إن كنت غائبا فذكر الغائب غيبة، وإن كنت حاضرا فهو ترك الحرمة.
قال أبو سعيد الخراز : قلتُ لبعضهم : ما غاية هذا الأمر قال : الله. قلت: فما معنى قولك الله ؟ قال : قال معناه : اللهم دلني عليك وثبتني عند وجودك ولا تجعلني ممن يرضى بجميع ما هو ذلك عوضا وأقر قراري عند لقائك.
"لا إله إلا الله" : في الخبر : "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله دَخَلَ الجَنَّةَ"، وفي الخبر : "لَا إِلَهَ إِلَّا الله مِفْتَاحُ الجَنَّةِ". وإنما يكون العبد قائلًا لاإله إلا الله في الحقيقة إذا كان قائلًا بقلبه. وفي الخبر : "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُخْلِصًا دَخَلَ الجَنَّةَ" معناه إذا كان عارفًا بربه، وكل الناس يحملون قوله "مخلصا" على أنه أراد إذا مات على الإخلاص، وأهل الإشارة قالوا إذا كان مُخلصًا في الحال في قوله، كان داخلًا في الحال في جنته. قال الله تعالى : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] قيل جنة معجلة وهي حلاوت الطاعات ولذة المناجاة والأنس بفنون المكاشفات، وجنة مؤجلة وهي فنون المثوبات وعلو الدرجات.
قال بعض المشايخ : معنى قول "لا إله إلا الله" نفي ما يستحيل كونه وإثبات ما يستحيل فقده. وقال رجل لبعضهم : لم تقول: "الله الله" ولا تقول: "لا إله إلا الله" ؟ فقال : "نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب". وقيل للشبلي : "تقول الله الله ولا تقول لاإله إلا الله ؟ فقال : "لا أنفي له ضداً"، فصاح وقال:" أريد أعلى من هذا"، فقال:" لا يجري على لساني كلمة الجحود"، فقيل :" نريد أعلى من هذا"، فقال: "أخشى أن أوخد في وحشة الجحد" فقيل "نريد أعلى من هذا"، فقال : "قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ" فزعق الرجل وخرجت روحه، فادعى أولياءه على الشبلي دمه وحملوه إلى الخليفة فأرسل إلى الشبلي فسأله عن دعواهم فقال الشبلي : "روح حنت فرنت فدعيت فأجابت فما ذنبي"، فصاح الخليفة من وراء الحجاب خلوه فلا ذنب له.
"هو" اعلم أن هذا الاسم عند هذه الطائفة إخبار عن نهاية التحقيق، وهو عند أهل الظاهر مبتدأ يحتاج إلى خبر ليتم كلاما، وعند أهل الطريق لا يحتاج، بل هو مُفيد وكلام تام بدون شيء آخر يتصل به أو يضمر له، لاستهلاكهم في حقائق القرب، واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم، فلا يسبق إلى قلوبهم غيره ويكتفون به عن كل بيان يتلوه.
قال بعضهم : رأيت بعض الوالهين فقلتُ ما اسمك ؟ فقال : "هو" فقلت : من أنت ؟ فقال : "هو" فقلت : من أين تجيء ؟ فقال : "هو" فقلت : مَن تعني بقولك : "هو" ؟ فقال : "هو" فما سألته عن شيء إلا قال : "هو" فقلت : لعلك تريد "الله" فصاح وخرجت روحه.
وقال بعض أهل الإشارة : إن الله تعالى كاشف الأسرار بقوله : "هو" ، وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء ، وقيل كاشف المهيمين بقوله : "هو" ، والمتيمين بقوله : "الله" ، وكاشف العلماء بقوله : "أحد" ، والعقلاء بقوله : "الصمد" ، والعوام بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).