أجد نفسي متكلما عن شيخي رغم عدم توفري على مؤهلات الكتابة، ولكنه يرتادني نوع من تأنيب الضمير كيف لنا ونحن نصاحب شيخا جَاد الله به علينا في زماننا هذا، الذي يمكن القول فيه أنه قَد قلَّ أو انقطع الصادقون من ورثة المصطفى الذين يحملون لواء المعرفة، وتقريب العباد من ربهم بالزج بهم في الحضرة الإلهية، التي ينال منها العبد الكثير من أسرار العبادات دون عناء ولا خوف من الانزلاق في متاهات الطريق التي من سلكها كان عارفًا بالله.
فكلامي عن شيخي سيدي جمال الدين، وهو العارف بالله، الشيخ المربي المأذون من الحضرتين بشهادة الغوث المحمدي سيدي حمزة بن العباس رضي الله عنه الذي قال فيه : (وقد أشرقت والحمد لله بداياته ، ولاحت تباشير أمره عناية من الله سابقة، وتَحَقَّقَت رُسوم ذلك الأمر بدلائل اليقين التي حَبَا الله بها عباده الصادقين، وهو بعد هذا كله بفضل الله، أهل لحمل أعباء هذه الطريق...) ننبس بكلام أقل ما يقال عنه أنه محاولة للتعبير عن شيء أحببناه وخبرناه وعلمنا أن أهل السماء يتمنونه، ونحن عنه غافلون، ليس من السهل الغوص في بحر العارف بالله الذي يُعرف عنه أن من غرق في بحره لن يعود.
رتبت أموري يوما ما لزيارة شيخي سيدي حمزة قدس الله سره إلى مداغ الخير، آخدا معي هدية أوصاني بها مريدا، لأدخل بها على سيدي جمال، مبتغيا بها التقرب إليه. بمعنى أن أرى منه الجمال بدل الجلال الذي كان يلقاني به كل مرة أزوره فيها، تقدم المريد صاحب المشورة ليخبره بالهدية التي جئتُ بها راجيا، فإذا به يرد علينا بقوله : حتى لو أتى بعشر أمثالها فهي للزاوية. يعني لله. فافهم.
حقيقة قد فهمت المعنى، حيث منَّ الله عليَّ بفهمها من قبل، كيف لا وأنا أصاحب سيدي حمزة، فعلمت أن هذا الشيخ المربي لن يزكي لأحد عمله ولو كانت بالقناطير المقنطرة، ولن يشعرك بأهميتك في الطريق، بل يمحص لك أعمالك لتكون خالية من الشوائب التي تضيع عليك قبولها من الله تعالى.
مرت الأيام وقد جائت الأخبار أن سيدي جمال سيقوم بزيارة الجهة التي أقطنها، فما أن علمنا بخبر الزيارة حتى تحركت القلوب، وهاجت الأرواح للقاء المبعوث رحمة لهذه البلاد، التي كانت تنتظرها منذ أمد بعيد. ولأنني أعلم أن زيارة الشيخ لأي مكان لن تكون إلا بإذن صريح من أهل الله، علمت هذا من شيخي سيدي حمزة الذي طلبت منه في إحدى الزيارات أن يقوم بزيارة لبلدنا فكان جوابه قدس الله سره : ليس لي الإذن في الزيارة.
وهكذا ونحن نستعد للزيارة التي ننتظرها نحن ومن معنا من الحجر والشجر، إذ يأتينا اتصال بأن سيدي جمال سيمر ليلا إلى مدينة تلي مدينتنا، وهذا يعني أنه لن تطأ قدماه حَيِّنا الذي يَحِنُّ شوقًا للقاء العارف بالله. فجاء قرارنا كالتالي، وإن كان فيه نوع من الشطط ولكن المحب لا يُلام، اتفقنا نحن مجموعة من المريدين الغالب عليهم الجذب مع السلوك أن نلقاه رضي الله عنه خارج المدينة ولن يمر حتى تأخد المدينة نصيبها من خيره، وفجأة جاء الفرج باتصال آخر ٠ كأن السماء قد أخبرته بما دبرناه٠ يأمرنا فيها سيدي جمال بأن لا يعترضه أحد ويخبرنا أنه سيذهب للاستشفاء والرجوع إلى مدينتنا لإحياء ليلة مباركة، وهذا ما كان.
فمرت تلك الليلة وذلك اللقاء الذي كنّا وكانت جميع الأحياء تتمناه في أجواء كان يقول فيها رضي الله عنه : إنها ليلة تاريخية.
فرضي الله عن الشيخ سيدي جمال الدين الذي لو علمت الناس ما يحمله من أسرار ربانية ومعارف إلهية لأتت إليه حبوًا، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.