الخواطِر خطاب يرد على على الضمائر وهي خمسة : فقد تكون من قبل الحق تعالى، وتكون بإلقاء المَلَك، وتكون من القلب، وتكون أحاديث النفس، وتكون بإلقاء الشيطان.
الأول : خاطِر الحق، وعلامته أنه إذا خطر لا يعترض عليه ملك، ولا قلب، ولا نفس، ولا شيطان.
الثاني : خاطِر المَلَك، وعلامته أنه أبدًا يحث على المحمودات مع كراهية النفس إلّا إذا زكت، قال القشيري رحمه الله : وإذا كان من قبل الَملك فإنها تعليم صدقه لموافقة العلم، ولهذا قالوا : كل خاطر لا يشهد له ظاهر فهو باطل.
الثالث : خاطِر القلب، وهو قريب من خاطر المَلك، قال الشيخ نجم الدين كبرى قدس الله روحه : إلا أنّ بين خاطر القلب وخاطر المَلك فرقًا دقيقًا.. خاطر القلب يفارق خاطر المَلك في الشهوة، والشوق، والحنين، والطيش، والطيران، والاتصاف، والرغب، والمحبَّة، والعشق، والوله، والجنون في الحق، قال : وهذا سبب ترجيح المؤمنين على الملائكة.
الرابع : خاطِر التفس، وأكثره يدعوا إلى اتباع الشهوات والهوى، واستشعار الكبر، وعلامته أنك تحس في القلب ألمًا، وفي الصدر ضيْقًا، وفي الأعضاء وجعًا، وفي النفس خيفةً.
الخامس : خاطِر الشيطان، خبيث وأكثره يدعوا إلى الضلالة، وله لطائف عجيبة في الضلال، فيصل كل أحد بحسب ما يليق به، وعلامته أنه إذا خَطَرَ سيتوقد ويستعجل ، ولا تجد في القلب راحة منه وكأنك استقبلتَ الظلمات، ويمازجك الرياء والالتفات إلى غير الحق، وتندق أعضائك عند نزوله عليك، وخاطِر الشيطان أصعب من خاطِر النفس، فإن الشيطان ذو فنون، فإنه بالغ في المكر والحيل، يأتي للإنسان من كل طريق إلأ من باب الإخلاص.
وإذا كان خاطِر النفس يسمّى هواجس، وإذا كان من الشيطان يسمّى وساوس، وقد فَرَّقَ الْجُنَيْدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ هَوَاجِسِ النَّفْسِ وَوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ بِأَنَّ النَّفْسَ إنْ طَلَبَتْكَ بِشَيْءِ أَلَحَّتْ فَلَا تَزَالُ تُعَاوِدُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ حَتَّى تَصِلَ مُرَادَهَا وَتَفْعَلَ مَقْصُودَهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَدُومَ صِدْقُ الْمُجَاهَدَةِ، ثُمَّ إنَّهَا تُعَاوِدُ وَتُعَاوِدُ، أَمَّا الشَّيْطَانُ إذَا دَعَاهُ إلَى زَلَّةٍ وَخَالَفْتَهُ يَتْرُكُ ذَلِكَ وَيُوَسْوِسُ بِزَلَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُخَالَفَاتِ لَهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا أَبَدًا إلَى زَلَّةٍ مَا وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي تَخْصِيصِ وَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى.
الخاطر إذا كان من الله تعالى يكون تنبيهًا للعبد وإيقاظًا له، وإذا كان من الملك يكون تحريضًا على العبادة، وإذا كان من الننفس يكون مطالبة شهوة، وإذا كان من الشيطان يكون تزيين معصية، وربّما يدعو الشيطان إلى عبادة ويحرض عليها، أو على ذكر وعلى شهوة فيشتبه بالنفسي والمَلَكي، وإنما يفرق بأن الخاطر المَلَكي يتولَّد منه السكون والطمأنينة، والشيطاني يعقبه الوحشة والثقالة.