فصل في المعاني الغريبة
اعلم أن وجود الإنسان، أصل في الاتحاد، ووجود الموجودات فرع له؛ لأن العالم خُلق له، والإنسان الكامل خُلق للمقصود الكلي والسر الإلهي، وهو ظهور الحق فيه، ورؤية أعيان أسمائه وصفاته ومحل ظهور أنوار شؤون ذاته، وأفعاله وآياته لا يكون إلا الإنسان الكامل لأنه جمع فيه القوابل الكليَّة، والاستعدادات السنيَّة، وإذا أراد الحق ينظر في العالم، فينظر الإنسان للعالم، لأنه إنسان عين الحق، وعين ظهوره، والحق روح ومعنى حقيقة الإنسان، كما أن الإنسان روح ومعنى حقيقة العالِم، وما ذلك إلا أن الحق جل وعلا لمّا شاء أن يرى جميع العالَم في شيء واحد، ويرى نفسه وجميع أسمائه وصفاته، وحقائق آياته، وتجليات شؤون ذاته، فأوجد الإنسان الكامل وجمع فيه ذلك وجعله مظهر القوابل الكليَّة والجزئيَّة، وحقائق الجواهر والأعراض، العلويَّة والسفليَّة، لأنه جامع جميع الرقائق الملكية والملكوتيَّة، وسامي الأخلاق والصفات وهو أعظم الموجودات، وأشرف الكائنات، وإصفى مرائي التجليات.