إِشْتَدِّي أَزْمَةُ تَنْفَرِجِي * قَدْ آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ
الاشتداد : التقوّي من الشدّة وهي القوة، والأزمة: القحط، وأصلها العض والضم بقوّة وهي هنا ما يصيب الإنسان من الحوادث المقلقة، والانفراج : ذهاب الهَمّ. وآذن : أعلم، وخصَّ الليل بالذكر في إرادة الرمز المطلق به لاشتداد الكرب فيه، وكأنه قال : آذن غمك وكربك.
والبلج - بفتح : وضوح الصبح، وهو هنا استعارة للفرج لاشتراكهما في الإذهاب فإن النور يذهب الظلمة، والفرج يذهب الحزن، ويوجب الفرح والسرور. والمصراع الأول نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبه من الأزمة الاشتداد ليس مقصودًا على الحقيقة وإنما المقصود طلب الفرج بنزول الشدّة لما ثبت واستقرّ عنده صلى الله عليه وسلم بالوحي أن الشدة سبب الفرج فنزل السّبَب منزلة المسبِّب بحصول التسلية وتأنيس النفس بأن الشدّة نوع من النعمة لما ترتب عليها من الخيرات عاجلًا بهجوم الفرح وآجلًا بحصول الثواب الجزيل. قال الله تعالى : {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق:7]، وقال :{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}[الشورى:28]، وقال : {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.[الشرح:5]
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما في الحديث المشهور : (احفظِ اللهَ يَحفظْكَ، احفظِ اللهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعرفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يعرفْكَ في الشدةِ، وَاعلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُمْ لِيُخْطِئَكَ، واعلمْ أنَّ النصرَ معَ الصبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسْرًا).
وكان سحنون الإمام الجليل إذا ضاق عليه أمر يقول : (ضيقي تنفرجي يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين)، واشتكى إلى الشيخ أبي إسحاق السبااي بعض الأشرار، ثم عاد إلى المشتكي، وذكر أن أمره اشتد معه. فقال : الآن قرب الرجاء في الله ومن التجأ إليه عافاه ووقاه.
وفي البيت إشارة أيضا إلى سلوك طريق الآخرة فيه على النفس أعظم مشقة يعقبها أتم فرج.