آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح الحكم العطائية : النّورُ جُنْدُ القَلْبِ، كَما أَنَّ الظُلْمَةَ جُنْدُ النَفْسِ.




(النّورُ جُنْدُ القَلْبِ، كَما أَنَّ الظُلْمَةَ جُنْدُ النَفْسِ. فإذا أرادَ اللهُ أنْ يَنْصُرَ عَبْدَهُ أَمَدَّهُ بِجُنودِ الأَنْوارِ وَقَطَعَ عَنْهُ مَدَدَ الظُلَمِ وَالأَغْيارِ).


"النّورُ جُنْدُ القَلْبِ" أي يَتوصلُ به إلى ما يَقصِدُه ويتوجَّه إليه، وهو حضرة الربِّ، كما يتوصل الأمير بجنده إلى ما يقصده من غلبة عدوِّه، وهذا مستفاد مما قبله، وإنما أتى به توطئة لقوله : "كَما أَنَّ الظُلْمَةَ" وهي طبيعة العبد، "جُنْدُ النَفْسِ" تتوصل بها إلى مقصودها، وهو الشهوات والأغراض العاجلة، وما زال الحرب واقعا بين القلب والنفس، "فإذا أرادَ اللهُ أنْ يَنْصُرَ عَبْدَهُ" أي يعينه على نفسه وقمع شهواتها "أَمَدَّهُ" أي أمدَّ قلبه "بِجُنُودِ الأَنْوَارِ" أي بجنود هي الأنوار، أو بالأنوار الشبيهة بالجنود، فإنها إذا حصلت له أدرك بها قَبْحَ الشهوات العائقة عن الوصول إلى الله تعالى، "وَقَطَعَ عَنْهُ مَدَدَ الظُلَمِ وَالأَغْيارِ"، أي مددًا هو الظُّلَمُ والأغيار، وهما بمعنى واحد، وإذا أراد خدلانه فعلى العكس من ذلك.

فإذا مال القلب إلى عمل صالح، كصوم غدٍ، ومالت النفس إلى شهوة كالفطر، وتنازعا وتقاتلا سارع النور الذي هو من الله تعالى ورحمته إلى نصرة القلب، والظُّلْمة إلى نصرة النفس، وعند التقاء الصفَّين والتحام القتال بين الجندين لا سبيل للعبد إلا فزعه إلى الله وتوكله عليه، وهكذا في كل عمل صالح إلى أن يصل إلى الله تعالى، فينقطع حينئذ حكم النفس، وتصير مقهورة مغلوبة.

قال ابن عباد :


نور التوحيد واليقين، وظلمة الشرك والشكـ، جندان للقلب والنفس، والحرب بينهما سجال، فإذا أراد الله نصرة عبده أمدَّ قلبه بجنوده، وقطع عن نفسه مدد جنودها، وإذا أراد خدلان عبده فعل العكس.

فإذا مال القلب إلى العمل بأمر محمود مؤلم في الحال، متلذذ به في المآل، ومالت النفس إلى العمل بأمر مذموم متلذذ به في الحال، مؤلم في المآل، وتنازعا وتقاتلا سارع النور الذي هو من أمر الله تعالى ورحمته إلى نصرة القلب، وبادرت الظلمة التي هي من وساوس الشيطان،، ولمَّته إلى نصرة النفس، وقام صف القتال بينهما.

فإن سبقت للعبد من الله تعالى سابقة السعادة، اهتدى القلب بنور الله تعالى واستهان بالعاجلة، ورغب في الآجلة، وعمل القلب بما مال إليه، وإن آلمه في الحال، لما يرجوه من التنعم به في المآل، وإن سبقت له من الله الشقاوة، والعياذ بالله، ذهل القلب عن النور، وأعمته الظلمة عن منفعة الآجل، واغترَّ بلذة العاجل، وعمل بما مالت إليه نفسه، وإن آلمه في المآل، لما يحصل لها من لذة الحال، وعند التقاء الصفين والتحام القتال بين الجندين لا سبيل للعبد إلا فزعه إلى الله تعالى، ولياذه به، وكثرة ذكره، وصدق توكله عليه، واستعاذته من الشيطان الرجيم.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية