فلا تدعي أيها المريد العبودية لله، وفيك بقيّة لغيره فتكون مبغضا، فلن تتم لك العبودية إلا إذا تحررت من رقِّ الغير، ولم يبق فيك أدنى نصيب، وحينئذ تكون عبدًا لله من كل الوجوه. وأما إذا كان لك أدنى ميلان لشيء، فتكون في ربقته وتحت حياطته. فاترك يا أخي الكل في جانب الله جليلًا وحقيرًا، دنيا وأخرى، علمًا وعملًا، ففي وجه من تهوى الجلال والجمال.
وإياك أن يأخدك شيء لجنسه، فإن الله غيور على العبد أن يقف مع غيره، ولا يقف مع غيره إلا الجاهل بمرتبته.
فهذا حال من حقق العبودية لله عز وجل، لا يرضى سواه بدلا. إياك أخي أن تكون عبدًا للغير فتصبح أسيرًا، وكن عبدًا لله تصبح أميرًا، ولا تطمع في شيء سواه، ولا ترق، ولا تشتق إليه، دع الكل يسعى إليك، وكن غنيا بالله عن الخلق دنيا وأخرى. فالكل خُلق لأجلك، وأنت خلقت لله. العبد وماله لسيده. فلا تتعدى همتك لغيره، لأن الكريم لا يتجاوز الأمل.
مرت رابعة العدوية برجل يذكر الجنة وما أعدَّ الله فيها للمحسنين. فقالت له : يا هذا إلى متى تشتغل بالأغيار عن الواحد الجبار ؟ ويحك! عليك بالجار ثم الدار. فقال لها : اذهبي يا مجنونة. فقالت : أنا لست مجنونة، وإنما المجنون من لم يفهم ما أقول. يا مسكين الجنة سجن من لم يكن الله أنيسه، والنار بستان من كان الله مؤنسه وجليسه. ألا ترى إلى آدم عليه السلام لما كان في الجنة يرتعي ويتهنى، فلما تعرض للأكل صارت عليه سجنا. وإبراهيم الخليل لما حفظ سره لمولاه قربه واجتباه، وعندما طرح في النار، صارت عليه بردً وسلامًا.