نماذج من شعر الوجدان الصوفي :
المحبة الإلهية والعرفان :
يعد الحب لدى الإنسان من أهم التجارب والخبرات الخلقية في حياته، وما من شك في أن الحب فضيلة إيجابية، لأنه في الحقيقة إحياء وإثبات وبناء، وإن كانت كلمة حب تدل على معاني عاطفية أو وجدانية، إلا أنّها في الأصل ميل، ونزوع عملي إيجابي يتجلى في تحول الاهتمام من الذاتية إلى الآخر، فهو نية وسلوك، من أجل بناء تواصل وإشباع رغبة روحية، من أجل اكتشاف أبعاٍد كانت مجهولة لدى الإنسان.
وعنصر التوحيد أنصع فكرة في المعرفة الصوفية، وأرقى سلم إلى مستوى الحب المطلق لاكتشاف أسمى درجات الحب، والخير المطلق، والجمال والجلال، وهو الوسيلة لكشف المعرفة الإلهية، إنه منح إلهية وإيمان بالمحبوب، لذلك أسس الصوفية في مذهبهم الإنساني فكرة الحب الإلهي المبنية على الحياة الروحية السلوكية التوحيدية، وجعلوا القلب الإنساني عرشاً لرحمة الله وللمحبة والتسامح، قال تعالى:﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
ومن النماذج نذكر:
يقول السهروردي :
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ * وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم * وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا * سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم * وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم * عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ * بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم * لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ * فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ * وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ
ويقول المختار الكنتي الكبير (ت 1226ه) في المحبة الإلهية والعرفان :
شغف الفؤاد بحب ذات الواحد*** والسر أنبأ عن مقر جاحد
وبسر سر السر طُلسم رمزه *** وبسر سويداء لب واجد
وبِغيب غيب الغيب فُسر لُغزه *** وبمنشد مُشد بشوق شاهد
متذلِّلا متلذذاً متعززا *** بالوصل في غبش الدياجر ساهد
في قرة العينين في محض الصفا *** أهل الوفا في غيب غيب الواحد
فأثار نار الوجد بعد خبوئها *** وأسال عيال ذو بعد تباعد
فهناك يهنأُ العيش بعد تنغص *** ويطيب مرّ الشوق بعد تناكد
ويبين ثمّة بيننا من بيننا *** بعد الجفا ومَعاهد بمُعاند