و لها أَرَجٌ مُحْيٍ أبدا * فَاقْصِد مَحْيَا ذَاكَ الأرَجِ
"الأرج" انتشار ريح الطيب ، والأحيا" أعطاه الحياة وهي صفة تقتضي الحس والحركة الإرادية ، و"الأبد" الدائم والقصد هنا الإتيان، و"المَحيَا" بفتح الميم مفعل من الحياة يطلق عليها وعلى زمانها ومكانها كالممات ، وجمعها محاوي وممات والضمير المجرور عائد على الفوائد، فأخبر بأن لتلك الفوائد أمورا تدل عليها وأسبابًا توصل إليها وهي ما يمن اللله به من المعاملات الدينية أخدًا من قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف:96]، وقوله تعالى : {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:1 ] وقال أبو العباس المرسي : (للناس أسباب وأسبابنا نحن الإيمان بالله والتقوى).
ثم أمر الناظم بتلك المراعاة بقوله :
فَلَرُبَّتَمَا فَاضَ المَحْيَا * بِبُحورِ المَوْجِ من اللُّجَجِ
التا في "ربّت" لتأنيث الكلمة، و"فيض" الماء كثرته حتى يسيل، ثم يستعار لكثرة المعروف وهو المراد هنا ، و"البحور" جمع بحر بخلاف البر، سميَ بحرًا لعُمقه وسعته، ويستعار لسعة المعروف، و"الموج" يقال ماجَ البحر مَوجًا إذا ارتفع ماؤه واضطرب، و"اللجج" جمع لُجة وهو مُعظم الماء ومنه بحر لُجيّ ،المعنى إن امتثلت لأمري يغمرك فضل الله في الدارين فيذهب غمك وصبُّك وتعجّل مسرّتك، ويفيض مولاك عليك خيرا واسعًا كالبحور المتلاطمة، أمواجها من كثرتها. ومن توكل على الله في أوقات شدّته واحتدّ أدركتُه، واقتنص الفوائد من الشدائد بلزوم الصبر والتسليم والرضا بما قدّره الله جلّ جلاله، ثم حسّن الظن بالله الذي يُنو ثمرة المعرفة فاض محياه لا محالة بخير كثير في الدنيا والأرض وشاهد من عجائب صُنع الله وخفي لُطفه ووفى كرمه ما يُقضى منه العجب.