روي عن أبي يزيد أنه قال :(من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان) وحكى اأستاذ أبو القاسم القشيري عن شيخه أبي علي الدقاق أنه قال : (الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورّق ولا تثمر وهو كما قال ويجوز أنها تثمر كالأشجار التي في الأودية والجبال ولكن لا يكون لفاكتها طعم فاكهة البساتين، والغرس إذا نقل من موضع إلى موضع آخر يكون أحسن وأكثر ثمرة لدخول التصرف فيه، وقد اعتبر الشرع وجود التعليم في الكلب المعلم وأحل ما يقتله بخلاف غير المعلم، وسمعت كثيرا من المشايخ يقولون : "مَن لم ير مفلحًا لا يُفلح".
وقد وقعت مشاجرة ومناظرة فى آخر المائة الثامنة بين فقراء الأندلس، حتى تضاربوا بالنعال، وذلك : هل يكتفي بمشاهدة الرسوم، ومطالعة الكتب في طريق الصوفية، أهل التوحيد الذوقي والمعرفة الحقيقية الوجدانية، أم لا بد من الشيخ !؟ فكتبوا في البلاد، فأجاب فيها كل أحد على قدر نظره : كالشيخ أبي عبد الله بن عبّاد رضي الله عنه وجوابه في رسائله الصغرى، وكالشيخ أبي بكر محمد بن خلدون رحمه الله، وقد أفرد لهذه المسألة تأليفًا سماه : "شفاء السائل" وهو ممتنع غاية، وقد ذكر حاصل ذلك الشيخ أبو العباس رضي الله عنه فقال : "ضبط النفس بأصل، يرجع إليه في العلم والعمل [لأنه] لازم لمنع التشعب والتشعث، فلزم الاقتداء بشيخ، قد تحقق اتباعه للسنة، تمكنه من المعرفة ليرجع إليه فيما يريد أو يراد، مع التقاط الفوائد الراجعة لأصله من خارج، إذ الحكمة ضالة المؤمن، وهو كالنحلة ترعى من كل طيب ثم لا تبيت في غير جبحها، وإلا لم ينتفع بعسلها.
وقد تشاجر فقراء الأندلس من المتأخرين، في الاكتفاء بالكتب عن المشايخ ثم كتبوا للبلاد، فكل أجاب على حسب فتحه. وجملة الأجوبة دائرة على ثلاث:
أولها: النظر للمشايخ، فشيخ التعليم تكفي عنه الكتب للبيت حاذق الذي يعرف موارد العلم. وشيخ التربية تكفي عنه الصحبة لذي دين عاقل ناصح. وشيخ الترقية يكفي عنه اللقاء والتبرك. كل ذلك من وجه واحد أتم.
الثاني: النظر لحال الطالب، فالبعيد لا بد له من شيخ يربيه، واللبيب تكفي الكتب في ترقيه، لكنه لا يسلم من رعونة نفسه، وإن وصل لابتلاء العبد برؤية نفسه.
الثالث: النظر للمجاهدات. فالتقوى لا تحتاج إلى شيخ لبيانها وعمومها. والاستقامة تحتاج إلى شيخ في تمييز الأصلح منها، وقد يكتفي دونه اللبيب بالكتب ومجاهدة الكشف، والترقية لا بد فيها من شيخ يرجع إليه في فتوحها، كرجوعه عليه السلام للعرض على ورقة [بن نوفل] لعلمه بأخبار النبوة ومبادئ ظهورها، حين فاجأه الحق. وهذه الطريقة قريبة من الأولى والسنة معهما، والله أعلم.