باب في فوائد أذكار مما يستعمله المُريد السَّيَّار
اعلم أن ذكر أسماء الله الحسنى أدوية لأمراض القلوب وعلل السالكين إلى حضرة علّام الغيوب، ولا يستعمل دواء إلا في الأمراض التي يكون ذلك الاسم نافعًا فيها فحيث يكون مثلًا الاسم "المُعطي" نافعًا لمرض القلب مخصوص فالاسم "المانع" ليس بمطلوب فيه، وقس على هذا.
والقاعدة أن مَن ذكرَ ذكرًا وكان لذلك الذكر معنى معقول تعلق أثر ذلك المعنى بقلبه وتبعه لواقحه حتى يتصف الذاكر بتلك المعاني إلا إذا كان اسمًا من أسماء الانتقام لن يكون كذلك بل يتعلق بقلب الذاكر الخوف، فإن حصل له تجلِّ كان من عالم الجلال، فاسمه تعالى الصادق ذكره يعطي المحبوب صدق اللسان والصوفي صدق القلب والعارف التحقيق.
اسمه تعالى : "الهادي" نافع في الخلوة ينفع من وجود التفرقة والسلوة ويرفعهما، ومَن استغات بالله ولم ير ظاهر صورة الغوث فليعلم أن استمراره في الاستغاثة هو المطلوب.
اسمه تعالى : "الباعث" يذكره أهل الغفلة ولا يذكره أهل طلب الفناء.
اسمه تعالى : "العَفوّ" يليق بأذكار العوام لأنه يصلحهم، وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره لأنه فيه ذكر الذنب، وذكر القوم لا يكون فيه ذكر الذنب بل ولا ذكر الحسنة، فإذا ذكرته العامة حسن حالهم.
اسمه تعالى : "المولى"، هو الناصر والسيد ولا يذكرهُ إلا العباد لاختصاصهم به، فإن ذكره من فوقهم فهو بمعنى آخر.
اسمه تعالى : "المُحسن" يصلح للعوام إذا أُريد بهم تحصيل مقام التوكل وذكره يوجب الأنس، ويسرع بالفتح ويداوى به المريد من رعب عالم الجلال.
اسمه تعالى : "العلّام" ذكره ينبه من الغفلة ويحضر القلب مع الرب ويعلم الأدب مع المراقبة فيناله الأنس عند أهل الجمال ويتجدد له الخوف والهيبة عند أهل عالم الجلال.
اسمه تعالى : "الغافر" يُلقَّن لعوام التلاميذ، وهم الخائفون من عقوبة الذنب، وأما أهل الحضرة فذكر مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة، وكذلك ذكر الحسنة يوجب رعونة تحدث للنفس شبه المنّة على الله تعالى بخدمته في الطاعة وضرر ذكر السيئة.
اسمه تعالى : "المتين" وهو الصلب، وهذا الاسم يضرّ أرباب الخلوة وينفع أهل الاستهزاء بالدين ويردّهم بطول ذكرهم له إلى الخشوع والخضوع.
اسمه تعالى : "الغنيّ"، ذكره نافع لمَن طلب التجريد فلم يقدر عليه.
اسمه تعالى : "الحسيب" ذاكره إن كان مشغولَا بالأسباب خرج عنها إلى التجريد اكتفاء بالحسيب أي الكافي.
اسمه تعالى : "المقيت" ذكره يفيد التجريد عن الأسباب ويعطي التوكل.
اسمه تعالى : "ذو الجلال والإكرام" يصلح في الخلوة لأهل الغفلة.
اسمه تعالى : "الخالق" من أذكار أهل مقام العبادة بمقتضى العلم النافع المطابق للعمل الصالح، ولا يصلح أن يلقن لأهل الاستعداد الوجداني فإنه يبعدهم من العرفان ويقربهم إلى العقل العلمي.